قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هذه الإضرابات الثلاثة ما معناها؟ قلت : ما هي إلا تنزيل لأحوالهم ؛ وصفهم أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث ، ثم لا يعلمون بأن القيامة كائنة ، ثم إنهم يخبطون في شك ومرية ، فلا يزيلونه مع أن الإزالة مستطاعة .. ثم بما هو أسوأ حالا وهو العمى ، وأن يكون مثل البهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه ، لا يخطر بباله حق ولا باطل ، ولا يفكر في عاقبة (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك أقوالهم الباطلة ، التي جعلتهم في عمى عن الآخرة فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ).
أى : وقال الذين كفروا على سبيل الإنكار للبعث والحساب : أإذا متنا وصرنا مثل التراب ، وصار آباؤنا كذلك مثل التراب ، أنبعث ونخرج إلى الحياة مرة أخرى بعد أن صرنا جميعا عظاما نخرة وأجسادا بالية؟
يقولون هذا ، وينسون لجهلهم وانطماس بصائرهم أن الله ـ تعالى ـ أوجدهم بقدرته ولم يكونوا شيئا مذكورا.
والاستفهام للإنكار والنفي ، والعامل في «إذا» محذوف ، دل عليه «مخرجون» وقوله : (وَآباؤُنا) معطوف على اسم كان ، أى : أنبعث ونخرج نحن وآباؤنا إذا كنا كذلك؟
ثم يتبعون قولهم هذا ، بقول أشد منه في الإنكار والتهكم فيقولون : (لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ ، إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
والأساطير : جمع أسطورة ، كأحاديث وأحدوثة ، وأكاذيب وأكذوبة.
ومرادهم بها : الخرافات والتخيلات التي لا حقيقة لها.
أى : لقد وعدنا الإخراج والإعادة إلى الحياة ، نحن وآباؤنا من قبل ، أى : من قبل أن يخربنا محمد صلىاللهعليهوسلم بذلك ، فنحن وآباؤنا ما زلنا نسمع من القصاص أن هناك بعثا وحسابا ، ولكن لا نرى لذلك حقيقة ولا وقوعا ..
وما هذا الذي نسمعه من محمد صلىاللهعليهوسلم في شأن الآخرة إلا أكاذيب الأولين ، وخرافاتهم التي لا مكان لها في عقولنا.
وهكذا يؤكدون إنكارهم للآخرة ، بشتى ألوان المؤكدات ، المصحوبة بالتهكم والاستخفاف.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٨٠.