أى : ما تسبق أمة من الأمم أجلها الذي قدرناه لها ساعة من الزمان ، ولا تستأخر عنه ساعة ، بل الكل نهلكه ونميته في الوقت الذي حددناه بقدرتنا وحكمتنا.
و «من» في قوله (مِنْ أُمَّةٍ) مزيدة للتأكيد : وفي هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ على سبيل الإجمال ، أن حكمته قد اقتضت أن يرسل رسلا آخرين ، متتابعين في إرسالهم. كل واحد يأتى في أعقاب أخيه. ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور ، فقال ـ تعالى ـ : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا ..).
ولفظ (تَتْرا) مصدر كدعوى ، وألفه للتأنيث وأصله : وترى فقلبت الواو تاء ، وهو منصوب على الحال من رسلنا.
أى : ثم أرسلنا بعد ذلك رسلنا متواترين متتابعين واحدا بعد الآخر ، مع فترة ومهلة من الزمان بينهما.
قال القرطبي : ومعنى «تترى» : تتواتر ، ويتبع بعضهم بعضا ترغيبا وترهيبا ..
قال الأصمعى : واترت كتبي عليه ، أتبعت بعضها بعضا إلا أن بين كل واحد منها وبين الآخر مهلة .. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (تَتْرا) بالتنوين على أنه مصدر أدخل فيه التنوين على فتح الراء ، كقولك : حمدا وشكرا .. (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ موقف كل أمة من رسولها فقال : (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ ...).
أى : كلما جاء رسول كل أمة إليها ليبلغها رسالة الله ـ تعالى ـ وليدعوها إلى عبادته وحده ـ سبحانه ـ كذب أهل هذه الأمة هذا الرسول المرسل إليهم. وأعرضوا عنه وآذوه ...
قال ابن كثير : «وقوله : (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ) يعنى جمهورهم وأكثرهم ، كقوله ـ تعالى ـ (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٣).
وأضاف ـ سبحانه ـ الرسول إلى الأمة ، للإشارة إلى أن كل رسول قد جاء إلى الأمة
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ٣٤.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ١٢٥.
(٣) سورة يس الآية ٣٠.