المرسل إليها. وفي التعبير بقوله : (كُلَّ ما جاءَ ..). إشعار بأنهم قابلوه بالتكذيب. بمجرد مجيئه إليهم ، أى : إنهم بادروه بذلك بدون تريث أو تفكر.
فماذا كانت عاقبتهم؟ كانت عاقبتهم كما بينها ـ سبحانه ـ في قوله : (فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ).
أى : فأتبعنا بعضهم بعضا في الهلاك والتدمير ، وجعلناهم بسبب تكذيبهم لرسلهم أحاديث يتحدث الناس بها على سبيل التعجب والتلهي ، ولم يبق بين الناس إلا أخبارهم السيئة. وذكرهم القبيح (فَبُعْداً) وهلاكا لقوم لا يؤمنون بالحق ، ولا يستجيبون للهدى.
قال صاحب الكشاف : «وقوله (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) أى : أخبارا يسمر بها ، ويتعجب منها. والأحاديث تكون اسم جمع للحديث ، ومنه أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتكون جمعا للأحدوثة : التي هي مثل الأضحوكة والألعوبة والأعجوبة. وهي : مما يتحدث به الناس تلهيا وتعجبا ، وهو المراد هنا» (١).
ثم ساق ـ سبحانه ـ بعد ذلك جانبا من قصة موسى وهارون ـ عليهماالسلام ـ فقال : (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ* إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ).
أى : ثم أرسلنا من بعد أولئك الأقوام المهلكين الذين جعلناهم أحاديث (مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا) الدالة على قدرتنا ، وهي الآيات التسع وهي : العصا ، واليد ، والسنون ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم.
وزودناه مع هذه الآيات العظيمة بسلطان مبين ، أى : بحجة قوية واضحة ، تحمل كل عاقل على الإيمان به ، وعلى الاستجابة له.
وكان هذا الإرسال منا لموسى وهارون إلى فرعون وملئه ، أى : وجهاء قومه وزعمائهم الذين يتبعهم غيرهم.
(فَاسْتَكْبَرُوا) جميعا عن الاستماع إلى دعوة موسى وهارون ـ عليهماالسلام ، (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) أى ؛ مغرورين متكبرين ، مسرفين في البغي والعدوان.
ثم بين ـ سبحانه ـ مظاهر هذا الغرور والتكبر من فرعون وملئه فقال : (فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) وهما موسى وهارون (وَقَوْمُهُما) أى : بنو إسرائيل الذين منهم
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٨٠.