موسى وهارون (لَنا عابِدُونَ) أى : مسخرون خاضعون منقادون لنا كما ينقاد الخادم لمخدومه.
فأنت ترى أن فرعون وملأه ، قد أعرضوا عن دعوة موسى وهارون ، لأنهما ـ أولا ـ بشر مثلهم ، والبشرية ـ في زعمهم الفاسد ـ تتنافى مع الرسالة والنبوة ، ولأنهما ـ ثانيا ـ من قوم بمنزلة الخدم لفرعون وحاشيته ، ولا يليق ـ في طبعهم المغرور ـ أن يتبع فرعون وحاشيته من كان من هؤلاء القوم المستضعفين.
قال الآلوسى : «وقوله : (فَقالُوا) عطف على (فَاسْتَكْبَرُوا) وما بينهما اعتراض مقرر للاستكبار ، والمراد : فقالوا فيما بينهم .. وثنى البشر لأنه يطلق على الواحد كقوله ـ تعالى ـ (بَشَراً سَوِيًّا) وعلى الجمع ، كما في قوله : ـ تعالى ـ (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً.). ولم يثن مثل نظرا إلى كونه في حكم المصدر ، ولو أفرد البشر لصح ، لأنه اسم جنس يطلق على الواحد وغيره ، وكذا لو ثنى المثل ، فإنه جاء مثنى في قوله : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) (١) ومجموعا كما في قوله : (... ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) (٢). وهذه القصص ـ كما ترى ـ تدل على أن مدار شبه المنكرين للنبوة ، قياس حال الأنبياء على أحوالهم ، بناء على جهلهم بتفاصيل شئون الحقيقة البشرية ، وتباين طبقات أفرادها في مراقى الكمال .. ومن عجب أنهم لم يرضوا للنبوة ببشر ، وقد رضى أكثرهم للإلهية بحجر ..» (٣).
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء عاقبة فرعون وملئه فقال : (فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ).
أى : فكذب فرعون وأتباعه موسى وهارون ـ عليهماالسلام ـ فيما جاءا به من عند ربهما ـ عزوجل ـ فكانت نتيجة هذا التكذيب أن أغرقنا فرعون ومن معه جميعا.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما أعطاه لموسى بعد هلاك فرعون وقومه فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ).
والضمير في قوله ـ تعالى ـ (لَعَلَّهُمْ) يعود إلى قوم موسى من بنى إسرائيل. لأنه من المعروف أن التوراة أنزلت على موسى بعد هلاك فرعون وملئه ..
أى : ولقد آتينا موسى ـ بفضلنا وكرمنا ـ الكتاب المشتمل على الهداية والإرشاد ، وهو التوراة ، (لَعَلَّهُمْ) أى : بنى إسرائيل (يَهْتَدُونَ) إلى الصراط المستقيم ، بسبب اتباعهم لتعاليمه ، وتمسكهم بأحكامه. فالترجى في قوله (لَعَلَّهُمْ) إنما هو بالنسبة لهم.
__________________
(١) سورة آل عمران الآية ١٣.
(٢) سورة محمد الآية ٣٨.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ٣٦.