أى : وهم من الفزع الكائن للناس في يوم البعث والحساب ، آمنون مطمئنون ، كما قال ـ سبحانه ـ : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (١) وكما قال ـ تعالى ـ (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء عاقبة من يأتى بالسيئات فقال : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ).
قال ابن كثير : قال ابن مسعود : وأبو هريرة ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم : (مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) أى الشرك.
ولعل مما يؤيد أن المراد بالسيئة هنا : الشرك. قوله ـ تعالى ـ : (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) لأن هذا الجزاء الشديد ، يتناسب مع رذيلة الشرك ـ والعياذ بالله ـ.
أى : ومن جاء بالفعلة الشنيعة في السوء ، وهي الإشراك بالله (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) أى : فألقوا بسبب شركهم في النار على وجوههم منكوسين.
يقال : كب فلان فلانا على وجهه ، وأكبه ، إذا نكسه وقلبه على وجهه.
وفي كبهم على وجوههم في النار ، زيادة في إهانتهم وإذلالهم لأن الوجه هو مجمع المحاسن ، ومحل المواجهة للغير.
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لزيادة توبيخهم وتقريعهم والجملة بإضمار قول محذوف.
أى : والذين جاءوا بالأفعال السيئة في دنياهم ، يكبون على وجوههم في النار يوم القيامة ، ويقال لهم على سبيل الزجر والتأنيب : ما حل بكم من عذاب هو بسبب أعمالكم وشرككم.
وكون المراد بالسيئة هنا الشرك ، لا يمنع من أن الذي يرتكب السيئات من المسلمين ، يعاقب عليها ما لم يتب منها فالله ـ تعالى ـ يقول : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ. مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ، وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (٣).
ثم يأمر الله ـ تعالى ـ نبيه أن يعلن للناس منهجه في دعوته فيقول : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها. وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ..).
__________________
(١) سورة الأنبياء الآية ١٠٣.
(٢) سورة فصلت الآية ٤٠.
(٣) سورة النساء آية ١٢٣.