والمراد بالبلدة الذي حرمها : مكة المكرمة التي عظم الله ـ تعالى ـ حرمتها ، فجعلها حرما آمنا ، لا يسفك فيها دم ، ولا يصاد فيها صيد ، ولا يعضد فيها شجر. وقوله : (الَّذِي حَرَّمَها) صفة للرب.
وخصت مكة بالذكر : تشريفا لها ، ففيها البيت الحرام الذي هو أول بيت وضع في الأرض.
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ للناس : إن الله ـ تعالى ـ أمرنى أن أخلص لله ـ سبحانه ـ عبادتي ، فهو رب البلد الحرام مكة ، ورب كل شيء ، وله جميع ما في هذا الكون خلقا ، وملكا ، وتصرفا.
(وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) أى : وأمرنى كذلك أن أكون من الثابتين على دينه ، المنقادين لأمره ، المسلمين له وجوههم ، وأمرنى ـ أيضا ـ أن أتلو القرآن على مسامعكم ، لأنه هو معجزتي الدالة على صدقى.
(فَمَنِ اهْتَدى) إلى الحق الذي جئته به ، وبينته له (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) أى : فإن منافع هدايته تعود إلى نفسه.
(وَمَنْ ضَلَ) عن طريق الحق ، وأعرض عن دعوتي ، (فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ).
أى : ومن ضل عن الهدى بعد أن نصحته وأرشدته ، فقد أمرنى ربي أن أقول له : إنما أنا من المنذرين للضالين بسوء العاقبة ، ولست عليهم بحفيظ ، أو بمكره إياهم على الإيمان.
ثم ختم السورة الكريمة بهذا التوجيه الكريم ، للرسول صلىاللهعليهوسلم فقال ـ تعالى ـ : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ).
أى : وقل ـ أيها الرسول الكريم ـ للناس : الثناء كله ، والفضل كله ، لله ـ تعالى ـ وحده. وهو ـ سبحانه ـ (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) الدالة على وحدانيته وقدرته (فَتَعْرِفُونَها) أى : فتعرفون صدقها ..
وصدق الله ـ عزوجل ـ ففي كل يوم ، بل في كل ساعة ، يرى عباده بعض آياته الدالة على وحدانيته وقدرته ، في أنفسهم ، وفي آفاق هذا الكون وما أحكم قوله ـ تعالى ـ : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ).
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بهذه الجملة التي تحمل طابع التهديد والوعيد لمن خالف أمره ، فقال ـ تعالى ـ : (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).