(إِنَّهُ) أى : الشيطان (عَدُوٌّ) للإنسان (مُضِلٌ) له عن طريق الحق (مُبِينٌ) أى : ظاهر العداوة والإضلال.
ثم أضاف إلى هذا الندم والاسترجاع ، ندما واستغفارا آخر فقال : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ، فَغَفَرَ لَهُ).
أى : قال موسى ـ عليهالسلام ـ بعد قتله القبطي بدون قصد ـ مكررا الندم والاستغفار : يا رب إنى ظلمت نفسي ، بتلك الضربة التي ترتب عليها الموت ، فاغفر لي ذنبي ، (فَغَفَرَ) الله ـ تعالى ـ (لَهُ) ذنبه ، (إِنَّهُ) ـ سبحانه ـ (هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ثم أكد موسى عليهالسلام ـ للمرة الثالثة ، توبته إلى ربه ، وشكره إياه على نعمه ، فقال : (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ).
والظهير : المعين لغيره والناصر له. يقال : ظاهر فلان فلانا إذا أعانه. ويطلق على الواحد والجمع. ومنه قوله ـ تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ).
قال صاحب الكشاف : قوله (بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ) يجوز أن يكون قسما جوابه محذوف ، تقديره : أقسم بإنعامك على بالمغفرة لأتوبن (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) وأن يكون استعطافا ، كأنه قال : رب اعصمني بحق ما أنعمت على من المغفرة فلن أكون ـ إن عصمتني ـ ظهيرا للمجرمين.
وأراد بمظاهرة المجرمين إما صحبة فرعون وانتظامه في جملته ، وتكثيره سواده ، حيث كان يركب بركوبه ، كالولد مع الوالد. وكان يسمى ابن فرعون. وإما مظاهرة من أدت مظاهرته إلى الجرم والإثم ، كمظاهرة الإسرائيلى المؤدية إلى القتل الذي لم يحل له .. (١).
وهذه الضراعة المتكررة إلى الله ـ تعالى ـ من موسى ـ عليهالسلام ـ ، تدل على نقاء روحه ، وشدة صلته بربه ، وخوفه منه ، ومراقبته له ـ سبحانه ـ ، فإن من شأن الأخيار في كل زمان ومكان ، أنهم لا يعينون الظالمين ، ولا يقفون إلى جانبهم.
قال القرطبي : ويروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : من مشى مع مظلوم ليعينه على مظلمته ، ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة ، يوم تزل الأقدام ، ومن مشى مع ظالم ليعينه على ظلمه ، أزل الله قدميه على الصراط يوم تدحض فيه الأقدام (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما كان من أمر موسى بعد هذه الحادثة فقال : (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٩٨.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ٢٦٣.