ويقص علينا القرآن ما حدث له بعد وصوله إليها فيقول : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ ، وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ، وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ).
قال القرطبي : ووروده الماء : معناه بلغه ، لا أنه دخل فيه. ولفظة الورود قد تكون بمعنى الدخول في المورود ، وقد تكون بمعنى الاطلاع عليه والبلوغ إليه وإن لم يدخل ، فورود موسى هذا الماء كان بالوصول إليه .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (تَذُودانِ) من الذود بمعنى الطرد والدفع والحبس. يقال : ذاد فلان إبله عن الحوض ، ذودا وذيادا إذا حبسها ومنعها من الوصول إليه.
والمعنى وحين وصل موسى ـ عليهالسلام ـ إلى الماء الذي تستقي منه قبيلة مدين وجد أمة أى جماعة كثيرة (مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) أى : يسقون إبلهم وغنمهم ، ودوابهم المختلفة.
(وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) أى : ووجد بالقرب منهم. أو في جهة غير جهتهم.
(امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) أى : امرأتين تطردان وتمنعان أغنامهما أو مواشيهما عن الماء ، حتى ينتهى الناس من السقي ، ثم بعد ذلك هما تسقيان دوابهما ، لأنهما لا قدرة لهما على مزاحمة الرجال.
وهنا قال لهما موسى ـ صاحب الهمة العالية ، والمروءة السامية ، والنفس الوثابة نحو نصرة المحتاج ـ قال لهما بما يشبه التعجب : (ما خَطْبُكُما)؟ أى : ما شأنكما؟ وما الدافع لكما إلى منع غنمكما من الشرب من هذا الماء ، مع أن الناس يسقون منه؟
وهنا قالتا له على سبيل الاعتذار وبيان سبب منعهما لمواشيهما عن الشرب : (لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ ، وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ).
ويصدر : من أصدر ـ والصدر عن الشيء : الرجوع عنه ، وهو ضد الورود. يقال : صدر فلان عن الشيء. إذا رجع عنه.
قال الشوكانى : قرأ الجمهور «يصدر» بضم الياء وكسر الدال ـ مضارع أصدر المتعدى بالهمزة ، وقرأ ابن عامر وأبو عمرو «يصدر» بفتح الياء وضم الدال ـ من صدر يصدر اللازم ، فالمفعول على القراءة الأولى محذوف. أى : يرجعون مواشيهم .. (٢) و (الرِّعاءُ) جمع الراعي ، مأخوذ من الرعي بمعنى الحفظ.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ٢٦٧.
(٢) فتح القدير ج ٤ ص ١٦٦.