أى : قالتا لموسى ـ عليهالسلام ـ : إن من عادتنا أن لا نسقى. مواشينا حتى يصرف الرعاء دوابهم عن الماء ، ويصبح الماء خاليا لنا ، لأننا لا قدرة لنا على المزاحمة ، وليس عندنا رجل يقوم بهذه المهمة ، وأبونا شيخ كبير في السن لا يقدر ـ أيضا ـ على القيام بمهمة الرعي والمزاحمة على السقي.
وبعد أن سمع موسى منهما هذه الإجابة ، سارع إلى معاونتهما ـ شأن أصحاب النفوس الكبيرة ، والفطرة السليمة ، وقد عبر القرآن عن هذه المسارعة بقوله : (فَسَقى لَهُما).
أى : فسقى لهما مواشيهما سريعا. من أجل أن يريحهما ويكفيهما عناء الانتظار وفي هذا التعبير إشارة إلى قوته ، حيث إنه استطاع وهو فرد غريب بين أمة من الناس يسقون ـ أن يزاحم تلك الكثرة من الناس ، وأن يسقى للمرأتين الضعيفتين غنمهما. دون أن يصرفه شيء عن ذلك.
رحم الله صاحب الكشاف. فقد أجاد عند عرضه لهذه المعاني. فقال ما ملخصه : «قوله : (فَسَقى لَهُما) أى : فسقى غنمهما لأجلهما. وروى أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال .. فأقله وحده.
وإنما فعل ذلك رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف والمعنى : أنه وصل إلى ذلك الماء ، وقد ازدحمت عليه أمة من الناس ، متكافئة العدد ، ورأى الضعيفتين من ورائهم ، مع غنمهما مترقبتين لفراغهم. فما أخطأت همته في دين الله تلك الفرصة ، مع ما كان به من النصب والجوع ، ولكنه رحمهما فأغاثهما ، بقوة قلبه ، وبقوة ساعده.
فإن قلت : لم ترك المفعول غير مذكور في قوله (يَسْقُونَ) و (تَذُودانِ) قلت : لأن الغرض هو الفعل لا المفعول. ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي ، ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم ومسقيهم إبل مثلا.
فإن قلت : كيف طابق جوابهما سؤاله؟ قلت : سألهما عن سبب الذود فقالتا : السبب في ذلك أننا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مزاحمة الرجال ، فلا بد لنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا ، وما لنا رجل يقوم بذلك ، وأبونا شيخ كبير ، فقد أضعفه الكبر ، فلا يصلح للقيام به ، فهما قد أبدتا إليه عذرهما في توليهما السقي بأنفسهما.
فإن قلت : كيف ساغ لنبي الله الذي هو شعيب ـ عليهالسلام ـ أن يرضى لا بنتيه بسقى الماشية؟ قلت ، الأمر في نفسه ليس بمحظور ، فالدين لا يأباه ، وأما المروءة فالناس مختلفون في ذلك. والعادات متباينة فيه .. وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم. ومذهب أهل البدو