غير مذهب أهل الحضر ، خصوصا إذا كانت الحالة حالة ضرورة .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِ) فقال : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) بيان لما فعله موسى وقاله بعد أن سقى للمرأتين غنمهما.
أى : فسقى موسى للمرأتين غنمهما ، ثم أعرض عنهما متجها إلى الظل الذي كان قريبا منه في ذلك المكان ، قيل كان ظل شجرة وقيل ظل جدار.
فقال : على سبيل التضرع إلى ربه : يا ربي : إنى فقير ومحتاج إلى أى خير ينزل منك على سواء أكان هذا الخير طعاما أم غيره.
قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله : (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَ) أى : لأى شيء تنزله من خزائن كرمك إلى (مِنْ خَيْرٍ) جل أو قل ، (فَقِيرٌ) أى : محتاج ، وهو خبر إن. وعدى باللام لتضمنه معنى الاحتياج. وما نكرة موصوفة ، والجملة بعدها صفتها. والرابط محذوف ، و (مِنْ خَيْرٍ) بيان لها والتنوين فيه للشيوع ، والكلام تعريض لما يطعمه ، بسبب ما ناله من شدة الجوع.
يدل لذلك ما أخرجه ابن مردويه عن أنس بن مالك : قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«لما سقى موسى للجاريتين ، ثم تولى إلى الظل ، فقال : رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير ، وإنه يومئذ فقير إلى كف من تمر» (٢).
واستجاب الله ـ تعالى ـ لموسى دعاءه. وأرسل إليه الفرج سريعا ، يدل لذلك قوله ـ تعالى ـ بعد هذا الدعاء من موسى : (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا.) ..
وفي الكلام حذف يفهم من السياق وقد أشار إليه ابن كثير بقوله : لما رجعت المرأتان سراعا بالغنم إلى أبيهما ، أنكر حالهما ومجيئهما سريعا ، فسألهما عن خبرهما فقصتا عليه ما فعل موسى ـ عليهالسلام ـ. فبعث إحداهما إليه لتدعوه إلى أبيها ، كما قال ـ تعالى ـ : (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) أى : مشى الحرائر ، كما روى عن عمر بن الخطاب أنه قال : كانت مستترة بكم درعها. أى قميصها.
ثم قال ابن كثير : وقد اختلف المفسرون في هذا الرجل من هو؟ على أقوال : أحدها أنه شعيب النبي ـ عليهالسلام ـ الذي أرسله الله إلى أهل مدين ، وهذا هو المشهور عند كثيرين وقد قاله الحسن البصري وغير واحد ورواه ابن أبى حاتم.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٠٢.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ص ٦٤.