ثم عللت طلبها بقولها : (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) أى : استأجره ليرعى غنمنا ، فإنه جدير بهذه المهمة ، لقوته وأمانته ، ومن جمع في سلوكه وخلقه بين القوة والأمانة ، كان أهلا لكل خير ، ومحلا لثقة الناس به على أموالهم وأعراضهم.
قال ابن كثير : قال عمر ، وابن عباس ، وشريح القاضي ، وأبو مالك ، وقتادة .. وغير واحد : لما قالت : (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) قال لها أبوها : وما علمك بذلك؟ قالت : إنه رفع الصخرة التي لا يطيق حملها إلا عشرة رجال ، وأنه لما جئت معه تقدمت أمامه ، فقال لي : كوني من ورائي ، فإذا اجتنبت الطريق فاحذفى ـ أى فارمى ـ بحصاة أعلم بها كيف الطريق لأهتدى إليه (١).
واستجاب الشيخ الكبير لما اقترحته عليه ابنته ، وكأنه أحس بصدق عاطفتها ، وطهارة مقصدها وسلامة فطرتها ، فوجه كلامه إلى موسى قائلا : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ).
أى : قال الشيخ الكبير لموسى مستجيبا لاقتراح ابنته : يا موسى إنى أريد أن أزوجك إحدى ابنتي هاتين.
ولعله أراد بإحداهما ، تلك التي قالت له : يا أبت استأجره ، لشعوره ـ وهو الشيخ الكبير ، والأب العطوف ، الحريص على راحة ابنته ـ بأن هناك عاطفة شريفة تمت بين قلب ابنته ، وبين هذا الرجل القوى الأمين ، وهو موسى ـ عليهالسلام ـ.
وفي هذه الآيات ما فيها من الإشارة إلى رغبة المرأة الصالحة ، في الرجل الصالح ، وإلى أنه من شأن الآباء العقلاء أن يعملوا على تحقيق هذه الرغبة.
قال الشوكانى : في هذه الآية مشروعية عرض ولى المرأة لها على الرجل ، وهذه سنة ثابتة في الإسلام ، كما ثبت من عرض عمر لابنته حفصة على أبى بكر وعثمان ، وغير ذلك مما وقع في أيام الصحابة أيام النبوة ، وكذلك ما وقع من عرض المرأة لنفسها على رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) بيان لما اشترطه الشيخ الكبير على موسى ـ عليهالسلام ـ.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٢٣٩.
(٢) تفسير فتح القدير للشوكانى ح ٤ ص ١٦٩.