قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ)(٣٥)
والمراد بالأجل في قوله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ.). المدة التي قضاها موسى أجيرا عند الشيخ الكبير ، بجهة مدين.
والمعنى : ومكث موسى عشر سنين في مدين ، فلما قضاها وتزوج بإحدى ابنتي الشيخ الكبير ، استأذن منه (وَسارَ بِأَهْلِهِ) أى وسار بزوجته متجها إلى مصر ليرى أقاربه وذوى رحمه ، أو إلى مكان آخر قيل : هو بيت المقدس.
(آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) ولفظ (آنَسَ) من الإيناس ، وهو إبصار الشيء ورؤيته بوضوح لا التباس معه ، حتى لكأنه يحسه بجانب رؤيته له.
أى : وخلال سيره بأهله إلى مصر ، رأى بوضوح وجلاء (مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً).
أى : رأى من الجهة التي تلى جبل الطور نارا عظيمة.
قال الآلوسى : «استظهر بعضهم أن المبصر كان نورا حقيقة ، إلا أنه عبر عنه بالنار ، اعتبارا لاعتقاد موسى ـ عليهالسلام ـ ، وقال بعضهم : كان المبصر في صور النار الحقيقة ، وأما حقيقته ، فوراء طور العقل ، إلا أن موسى ـ عليهالسلام ـ ظنه النار المعروفة» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً.). حكاية لما قاله موسى ـ عليهالسلام ـ لزوجته ومن معها عند ما أبصر النار.
أى : عند ما أبصر موسى النار بوضوح وجلاء (قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) في مكانكم (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) على مقربة منى وسأذهب إليها.
(لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) ينفعنا في مسيرتنا ، (أَوْ) أقتطع لكم منها (جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ).
قال الجمل : قرأ حمزة : (أَوْ جَذْوَةٍ) بضم الجيم. وقرأ عاصم بالفتح ، وقرأ الباقون بالكسر ، وهي لغات في العود الذي في رأسه نار ، هذا هو المشهور. وقيده بعضهم فقال : في رأسه نار من غير لهب ، وقد ورد ما يقتضى وجود اللهب فيه ، وقيل : الجذوة العود الغليظ سواء أكان في رأسه نار أم لم يكن. وليس المراد هنا إلا ما في رأسه نار. (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ص ٧٢.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٣٤٦.