وقوله : (تَصْطَلُونَ) من الاصطلاء بمعنى الاقتراب من النار للاستدفاء بها من البرد. والطاء فيه مبدلة من تاء الافتعال.
أى : قال موسى لأهله امكثوا في مكانكم حتى أرجع إليكم ، فإنى أبصرت نارا سأذهب إليها ، لعلى آتيكم من جهتها بخبر يفيدنا في رحلتنا ، أو أقتطع لكم منها قطعة من الجمر ، كي تستدفئوا بها من البرد.
قال ابن كثير ما ملخصه : وكان ذلك بعد ما قضى موسى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم ، وسار بأهله. قيل : قاصدا بلاد مصر بعد أن طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين ، ومعه زوجته ، فأضل الطريق ، وكانت ليلة شاتية. ونزل منزلا بين شعاب وجبال ، في برد وشتاء ، وسحاب وظلام وضباب وجعل يقدح بزند معه ليورى نارا ـ أى : ليخرج نارا ـ كما جرت العادة به ، فجعل لا يقدح شيئا ، ولا يخرج منه شرر ولا شيء ، فبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور نارا .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ : ما حدث لموسى بعد أن وصل إلى الجهة التي فيها النار فقال ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ، أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ).
والضمير في «أتاها» ، يعود إلى النار التي رآها. وشاطئ الوادي : جانبه ، والأيمن : صفته.
أى : فحين أتى موسى ـ عليهالسلام ـ إلى النار التي أبصرها ، (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) أى سمع نداء من الجانب الأيمن بالنسبة له ، أى : لموسى وهو يسير إلى النار التي رآها ، فمن لابتداء الغاية.
ويرى بعضهم أن المراد بالأيمن. أى : المبارك ، مأخوذ من اليمن بمعنى البركة.
وقوله : (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) متعلق بقوله (نُودِيَ) أو بمحذوف حال من الشاطئ.
وقوله : (مِنَ الشَّجَرَةِ) بدل اشتمال من شاطئ الوادي ، فإنه كان مشتملا عليها.
والبقعة : اسم للقطعة من الأرض التي تكون غير هيئة القطعة المجاورة لها وجمعها بقع ـ بضم الباء وفتح القاف ـ وبقاع.
ووصفت بالبركة : لما وقع فيها من التكليم والرسالة لموسى ، وإظهار المعجزات والآيات على يديه.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٢٧٠.