فهؤلاء الذين كانوا في الدنيا كذلك ، صاروا في الآخرة محل الازدراء وقبح الهيئة والاشمئزاز من كل عباد الله المخلصين.
ثم ختم ـ سبحانه ـ قصة موسى ببيان جانب مما منحه ـ عزوجل ـ له من نعم فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أى آتيناه التوراة لتكون هداية ونورا (مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) أى : أنزلنا التوراة على موسى ، من بعد إهلاكنا للقرون الأولى من الأقوام المكذبين ، كقوم نوح وهود وصالح وغيرهم.
قال الآلوسى : «والتعرض لبيان كون إيتائها بعد إهلاكهم للإشعار بأنها نزلت بعد مساس الحاجة إليها ، تمهيدا لما يعقبه من بيان الحاجة الداعية إلى إنزال القرآن الكريم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن إهلاك القرون الأولى. من موجبات اندراس معالم الشرائع ، وانطماس آثارها ، المؤديين إلى اختلال نظام العالم وفساد أحوال الأمم وكل ذلك يستدعى تشريعا جديدا. (١)
وقوله ـ تعالى ـ (بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً) منصوب على أنه مفعول لأجله أو حال أى : آتيناه التوراة من أجل أن تكون أنوارا لقلوبهم يبصرون بها الحقائق ، كما يبصرون بأعينهم المرئيات ، ومن أجل أن تكون هداية لهم إلى الصراط المستقيم ، ورحمة لهم من العذاب.
وقوله ـ سبحانه ـ (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) تعليل لهذا الإيتاء ، وحض لهم على الشكر.
أى آتيناهم الكتاب الذي عن طريقه يعرفون الحق من الباطل .. كي يكونوا دائما متذكرين لنعمنا ، وشاكرين لنا على هدايتنا لهم ورحمتنا بهم.
وإلى هنا نرى السورة الكريمة ، قد حدثتنا عن جوانب متعددة من حياة موسى ـ عليهالسلام ـ.
حدثتنا عن رعاية الله ـ تعالى ـ له حيث أراد له أن يعيش في بيت فرعون وأن يحظى برعاية امرأته ، وأن يعود بعد ذلك إلى أمه كي تقر عينها به ، دون أن يصيبه أذى من فرعون الذي كان يذبح الذكور من بنى إسرائيل ويستحيى نساءهم.
ثم حدثتنا عن رعاية الله ـ تعالى ـ له ، بعد أن بلغ أشده واستوى ، حيث نجاه من القوم الظالمين ، بعد أن قتل واحدا منهم.
ثم حدثتنا عن رعاية الله ـ تعالى ـ له ، بعد أن خرج من مصر خائفا يترقب متجها إلى
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ص ٨٤.