وإنما أراد بهذا أن يظهر لرعيته ، تكذيب موسى فيما قاله من أن هناك إلها غير فرعون. ولهذا قال : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) أى : في قوله إن ثم ربا غيرى. (١) ثم بين ـ سبحانه ـ الأسباب التي حملت فرعون على هذا القول الساقط الكاذب ، فقال : (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ).
والاستكبار : التعالي والتطاول على الغير بحمق وجهل. أى : وتعالى فرعون وجنوده في الأرض التي خلقناها لهم ، دون أن يكون لهم أى حق في هذا التطاول والتعالي ، وظنوا واعتقدوا أنهم إلينا لا يرجعون ، لمحاسبتهم ومعاقبتهم يوم القيامة.
فماذا كانت نتيجة ذلك التطاول والغرور ، والتكذيب بالبعث والحساب؟ لقد كانت نتيجته كما قال ـ تعالى ـ بعد ذلك : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ).
والنبذ : الطرح والإهمال للشيء لحقارته وتفاهته.
أى : فأخذنا فرعون وجنوده بالعقاب الأليم أخذا سريعا حاسما فألقينا بهم في البحر ، كما يلقى بالنواة أو الحصاة التي لا قيمة لها ، ولا اعتداد بها.
(فَانْظُرْ) أيها العاقل نظر تدبر واعتبار (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)؟ لقد كانت عاقبتهم الإغراق الذي أزهق أرواحهم واستأصل باطلهم.
(وَجَعَلْناهُمْ) أى : فرعون وجنوده ، (أَئِمَّةً) في الكفر والفسوق والعصيان بسبب أنهم (يَدْعُونَ) ، غيرهم إلى ما يوصل (إِلَى النَّارِ) وسعيرها والاحتراق بها.
(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) أى : ويوم القيامة لا يجدون من ينصرهم ، بأن يدفع العذاب عنهم بأية صورة من الصور.
(وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا) التي قضوا حياتهم فيها في الكفر والضلال ، أتبعناهم فيها (لَعْنَةً) أى : طردا وإبعادا عن رحمتنا.
(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) والشيء المقبوح : هو المطرود المبعد عن كل خير. أى : وهم يوم القيامة ـ أيضا ـ من المبعدين عن رحمتنا ، بسبب كفرهم وفسوقهم.
والتعبير بقوله ـ سبحانه ـ : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) يتناسب كل التناسب مع ما كانوا عليه في الدنيا من تطاول وغرور واستعلاء.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٢٤٨.