أما معظم الرسل من قبلك ـ كموسى وعيسى وزكريا ويحيى وداود وسليمان فكانت مع تباعد زمانها عنك ـ أيضا ـ إلى غيرهم من بنى إسرائيل ، ومن الأمم الأخرى. المتناثرة في أطراف الجزيرة العربية.
فالمراد بالقوم على هذا الرأى : العرب المعاصرون له صلىاللهعليهوسلم كما قال ـ تعالى ـ : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ).
ولعل هذا الرأى أقرب إلى سياق الآيات ، وإلى إقامة الحجة على مشركي قريش ، الذين وقفوا من الرسول صلىاللهعليهوسلم موقف المكذب لرسالته ، المعادى لدعوته.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) تذييل قصد به حضهم على التذكر والاعتبار.
أى : أرسلناك إليهم كي يتذكروا ما ترشدهم إليه ، ويعتبروا بما جئتهم به ، ويخشوا سوء عاقبة مخالفة إنذارك لهم.
ثم أبطل ـ سبحانه ـ ما يتعللون به من معاذير فقال : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ، فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
و (لَوْ لا) الأولى : امتناعية ، تدل على امتناع الجواب لوجود الشرط ، وجوابها محذوف لدلالة الكلام عليه ، و «أن» وما في حيزها في محل رفع بالابتداء.
و (لَوْ لا) الثانية : تحضيضية ، وجوابها قوله (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ.). وجملة (فَيَقُولُوا) عطف على (أَنْ تُصِيبَهُمْ) ومن جملة ما في حيز (لَوْ لا) الأولى.
والمعنى : ولو لا أن تصيب هؤلاء المشركين (مُصِيبَةٌ) أى عقوبة شديدة. بسبب اقترافهم الكفر والمعاصي (فَيَقُولُوا) على سبيل التعلل عند نزول العقوبة بهم (رَبَّنا) أى : يا ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا من عندك (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) الدالة على صدقه (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) به وبما جاء به من آيات من عندك.
أى : ولو لا قولهم هذا ، وتعللهم بأنهم ما حملهم على الكفر ، إلا عدم مجيء رسول إليهم يبشرهم وينذرهم .. لو لا ذلك لما أرسلناك إليهم ، ولكنا أرسلناك إليهم لنقطع حجتهم ، ونزيل تعللهم ، ونثبت لهم أن استمرارهم على كفرهم ـ بعد إرسالك إليهم ، كان بسبب عنادهم وجحودهم ، واستحواذ الشيطان عليهم.
قال الإمام ابن كثير : قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ) أى : وأرسلناك إليهم ـ يا محمد لتقيم عليهم الحجة ، ولتقطع عذرهم إذا جاءهم عذاب من الله بسبب كفرهم ، فيحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول ولا نذير ، كما قال ـ تعالى ـ بعد ذكره إنزال كتابه