المبارك وهو القرآن : (أَنْ تَقُولُوا : إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا ، وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا : لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ ، فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) .. (١) ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك موقفهم بعد مجيء الرسول صلىاللهعليهوسلم إليهم فقال : (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا : لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى).
أى : ظل مشركو قريش أزمانا متطاولة دون أن يأتيهم رسول ينذرهم ويبشرهم (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) متمثلا في رسولنا محمد صلىاللهعليهوسلم وفيما أيدناه به من معجزات دالة على صدقه ، وعلى رأسها القرآن الكريم.
لما جاءهم هذا الرسول الكريم (قالُوا) على سبيل التعنت والجحود : هلا أوتى هذا الرسول مثل ما أوتى موسى ، من توراة أنزلت عليه جملة واحدة ومن معجزات حسية منها العصا واليد والطوفان ، والجراد ... إلخ.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ.). رد عليهم لبيان أن ما قالوه هو من باب العناد والتعنت ، والاستفهام لتقرير كفرهم وتأكيده.
أى : قالوا ما قالوا على سبيل الجحود ، والحال أن هؤلاء المشركين كفروا كفرا صريحا بما أعطاه الله ـ تعالى ـ لموسى من قبلك ـ يا محمد ـ من معجزات ، كما كفروا بالمعجزات التي جئت بها من عند ربك ، فهم دينهم الكفر بكل حق.
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعض أقوالهم الباطلة فقال : (قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا ، وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ).
وقوله : (سِحْرانِ) خبر لمبتدأ محذوف. أى : قالوا ما يقوله كل مجادل بغير علم : هما ـ أى ما جاء به موسى وما جاء به محمد ـ عليهما الصلاة والسلام ، (سِحْرانِ تَظاهَرا) أى : تعاونا على إضلالنا ، وإخراجنا عن ديننا ، وقالوا ـ أيضا ـ (إِنَّا بِكُلٍ) أى بكل واحد مما جاءوا به (كافِرُونَ) كفرا لا رجوع معه إلى ما جاء به هذان النبيان ـ عليهما الصلاة والسلام ـ.
قال الآلوسى : وقوله : (قالُوا) استئناف مسوق لتقرير كفرهم المستفاد من الإنكار السابق ، وبيان كيفيته ، و (سِحْرانِ) ، يعنون بهما ما أوتى نبينا وما أوتى موسى ..
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٢٥١.