الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)(٦١)
والمعنى : (إِنَّكَ) ـ أيها الرسول الكريم ـ (لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) أى : لا تستطيع بقدرتك الخاصة أن تهدى إلى الإيمان من تريد هدايته إليه.
(وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أى : ولكن الله ـ تعالى ـ وحده ، هو الذي يملك هداية من يشاء هدايته إلى الإيمان ، فهو ـ سبحانه ـ الخالق لكل شيء ، وقلوب العباد تحت تصرفه ـ تعالى ـ يهدى من يشاء منها ويضل من يشاء ، على حسب مشيئته وحكمته ، التي تخفى على الناس.
(وَهُوَ) ـ سبحانه ـ (أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أى : بالقابلين للهداية المستعدين لها.
فبلغ ـ أيها الرسول الكريم ـ ما كلفناك به ، ثم اترك بعد ذلك قلوب الناس إلى خالقهم ، فهو ـ سبحانه ـ الذي يصرفها كيف يشاء.
قال بعض العلماء : وإن الإنسان ليقف أمام هذا الخبر ، مأخوذا بصرامة هذا الدين واستقامته ، فهذا عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكافله وحاميه والذائد عنه ، لا يكتب الله له الإيمان ، على شدة حبه لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وشدة حب الرسول له أن يؤمن. (١) ذلك أنه إنما قصد إلى عصبية القرابة وحب الأبوة ، ولم يقصد إلى العقيدة ، وقد علم الله منه ذلك فلم يقدر له ما كان يحبه له صلىاللهعليهوسلم ويرجوه ، فأخرج هذا الأمر ـ أى الهداية ـ من خاصة رسوله صلىاللهعليهوسلم وجعله خاصا بإرادته ـ سبحانه ـ وتقديره. وما على الرسول
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٢٥٦.