إلا البلاغ ، وما على الداعين بعده إلا النصيحة ، والقلوب بعد ذلك بين أصابع الرحمن والهدى والضلال وفق ما يعلمه من قلوب العباد ، واستعدادهم للهدى والضلال (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ جانبا من الاعتذارات الواهية التي تذرع بها المشركون في عدم الدخول في الإسلام.
فقال ـ تعالى ـ : (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) والتخطف : الانتزاع بسرعة. يقال : فلان اختطفه الموت. إذا أخذه بغتة بدون إمهال.
وقد ذكروا في سبب نزولها ، أن بعض المشركين أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال له : يا محمد ، نحن نعلم أنك على الحق ، ولكنا نخشى إن اتبعناك ، وخالفنا العرب ، أن يتخطفونا من أرضنا ، وإنما نحن أكلة رأس ـ أى : قليلون لا نستطيع مقاومة العرب.
وقد رد الله ـ تعالى ـ على تعللهم هذا بقوله : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
وقوله : (يُجْبى إِلَيْهِ) أى : يحمل إليه ، يقال جبى فلان الماء في الحوض إذا جمعه فيه ، وحمله إليه.
والاستفهام لتقريعهم على قولهم هذا الذي يخالف الحقيقة.
أى : كيف قالوا ذلك ، مع أننا قد جعلنا لهم حرما ذا أمان يعيشون من حوله ، وتأتيهم خيرات الأرض من كل مكان ، وقد فعلنا ذلك معهم وهم مشركون ، فكيف نعرضهم للخطف وهم مؤمنون.
قال صاحب الكشاف : وكانت العرب في الجاهلية حولهم ـ أى حول أهل مكة ـ يتغاورون ويتناحرون وهم آمنون مطمئنون في حرمهم ، وبحرمة البيت هم قارون بواد غير ذي زرع ، والثمرات والأرزاق تجبى إليهم من كل مكان ، فإذا خولهم الله ما خولهم من الأمن والرزق بحرمة البيت وحدها ، وهم كفرة عبدة أصنام ، فكيف يستقيم أن يعرضهم للتخطف والخوف ، ويسلبهم الأمن ، إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة ، الإسلام .. (٢).
والتعبير بقوله ـ سبحانه ـ : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً) للإشعار بكثرة الخيرات والثمرات ، التي تأتى إلى أهل مكة من كل جانب من جوانب الأرض ، ومن كل نوع من أنواع ثمارها. والجملة الكريمة صفة من صفات الحرم.
__________________
(١) تفسير في ظلال القرآن ج ٢٠ ص ٣٦١. للأستاذ سيد قطب.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٧٢.