وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) (١).
ثم وجه ـ سبحانه ـ إليهم توبيخا آخر فقال : (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ).
أى : وقيل لهؤلاء الكافرين على سبيل الفضيحة والتقريع : اطلبوا من شركائكم الذين توهمتم فيهم النفع والضر أن يشفعوا لكم ، أو أن ينقذوكم مما أنتم فيه من عذاب ، فطلبوا منهم ذلك لشدة حيرتهم وذلتهم (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) ولم يلتفتوا إليهم.
(وَرَأَوُا الْعَذابَ) أى : ورأى الشركاء والمشركون العذاب ماثلا أمام أعينهم.
و (لَوْ) في قوله : (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) شرطية ، وجوابها محذوف. والتقدير : لو أنهم كانوا في الدنيا مهتدين إلى طريق الحق. لما أصابهم هذا العذاب المهين.
ويجوز أن تكون للتمني فلا تحتاج إلى جواب ، ويكون المعنى. ورأوا العذاب. فتمنوا أن لو كانوا ممن هداهم الله ـ تعالى ـ إلى الصراط المستقيم في الدنيا.
ثم وجه ـ سبحانه ـ إليهم نداء آخر لا يقل عن سابقه في فضيحتهم وتقريعهم فقال ـ تعالى ـ : ويوم يناديهم فيقول : (ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ).
أى : واذكر ـ أيها العاقل ـ حال هؤلاء الكافرين يوم يناديهم المنادى من قبل الله ـ عزوجل ـ فيقول لهم : ما الذي أجبتم به رسلكم عند ما أمروكم بإخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ ونهوكم عن الإشراك والكفر؟
فالمقصود من السؤال الأول : توبيخهم على إشراكهم ، والمقصود من السؤال الثاني ، توبيخهم على تكذيبهم لرسلهم ، ولذا وقفوا من هذه الأسئلة موقف الحائر المذهول المكروب ، كما قال ـ تعالى ـ : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ).
أى : فخفيت عليهم الحجج التي يجيبون بها على هذه الأسئلة ، وصاروا لفرط دهشتهم وذهولهم عاجزين عن أن يسأل بعضهم بعضا عن الإجابة.
وعدى (فَعَمِيَتْ) بعلى ، لتضمنه معنى الخفاء قال ـ سبحانه ـ (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ) ولم يقل : فعموا عن الأنباء ، للمبالغة في بيان ذهولهم وصمتهم المطبق في ذلك اليوم العسير ، حتى لكأنما الأنباء والأخبار عمياء لا تصل إليهم ، ولا تعرف شيئا عنهم.
__________________
(١) سورة مريم الآية ٨١ ، ٨٢.