وقوله ـ تعالى ـ (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) يشعر بذهولهم عن التحقق من مقدار المدة التي لبثوها في الدنيا.
أى : فاسأل المتمكنين من معرفة المدة التي مكثناها في الدنيا.
فيرد الله ـ تعالى ـ عليهم بقوله (قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ) أى : ما لبثتم في الدنيا ، (إِلَّا قَلِيلاً) أى : إلا وقتا قليلا (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) شيئا من العلم لأدركتم أن ما لبثتموه في الدنيا ، هو قليل جدا بالنسبة إلى مكثكم في النار بسبب إصراركم على كفركم في حياتكم الدنيا. فجواب لو محذوف ، لدلالة الكلام عليه.
ولا يتعارض قولهم هنا (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) مع آيات أخرى ذكرت بأنهم (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) (١) وبأنهم (ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) كما في قوله ـ تعالى ـ. (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ ..). (٢).
لأن كل فريق منهم قد أخبر بما تبادر إلى ذهنه ، فبعضهم قال : لبثنا عشرا ، وبعضهم قال : لبثنا يوما أو بعض يوم ، وبعضهم أقسم بأنه ما لبث في الدنيا غير ساعة.
وهذا يدل على أن أهوال العذاب ، قد أنستهم ما كانوا فيه في الدنيا من متاع ، وما انغمسوا فيه من شهوات ...
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ..). للإنكار والنفي. والحسبان هنا : بمعنى الظن. والفاء معطوفة على محذوف مقدر. والعبث : اللعب وما لا فائدة فيه من قول أو فعل.
أى : أغرتكم الدنيا ، وغفلتم عن مصيركم ، فحسبتم أنما خلقناكم عبثا لا لحكمة تقتضيها إرادتنا من خلقكم ، وحسبتم كذلك (أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) يوم القيامة للحساب والجزاء.
إن جزاء هذا الحسبان الباطل ، هو هذا المصير المهين الذي تصطلون بناره اليوم. ثم نزه ـ سبحانه ـ ذاته عن أن يكون قد خلقهم عبثا فقال : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ...).
أى : فتعاظم وتقدس عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله ، الله الملك الحق ، فهو ـ عزوجل ـ منزه عن أن يخلق الناس بدون حكمة أو غرض صحيح.
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فإن كل ما عداه مخلوق له ، وهو ـ سبحانه ـ (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ).
__________________
(١) سورة طه الآية ١٠٣.
(٢) سورة الروم الآية ٥٥.