ثم هدد ـ سبحانه ـ كل من يعبد غيره أشد تهديد فقال : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أى : ومن يدع مع الله ـ تعالى ـ إلها آخر في عبادته أو مناجاته أو أقواله ، أو أفعاله ...
(لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) أى : لا دليل له على هذه العبادة ، وليس لهذه الجملة الكريمة مفهوم مخالفة ، بل هي صفة مطابقة للواقع ، لأن كل عابد لغير الله ، لا دليل له على هذه العبادة إطلاقا ، إذ العبادة لا تكون إلا لله ـ تعالى ـ وحده.
فذكر هذه الجملة لإقرار الواقع وتأكيده ، لا لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق.
وقوله (فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) تهديد شديد لمن يدعو مع الله ـ تعالى ـ إلها آخر. أى : من يفعل ذلك فسيلقى الحساب الشديد ، والجزاء الرادع ، من عند ربه ـ عزوجل ـ ، لأن عدالته قد اقتضت أن الكافرين به لا ينالون الفلاح ، وإنما ينالون الخزي والخسران.
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بقوله : (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) أى : وقل ـ أيها الرسول الكريم ـ مناجيا ربك : رب اغفر للمؤمنين ذنوبهم ، وارحم العصاة منهم ، وأنت يا مولانا خير من يرحم ، وخير من يغفر.
قال الآلوسى : «وفي تخصيص هذا الدعاء بالذكر ما يدل على أهمية ما فيه ، وقد علم النبي صلىاللهعليهوسلم أبا بكر أن يقول نحوه في صلاته. فقد أخرج الشيخان عن أبى بكر ـ رضى الله عنه ـ قال : يا رسول الله ، علمني دعاء أدعو به في صلاتي. فقال له قل : «اللهم إنى ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» (١).
وبعد :
فهذه هي سورة «المؤمنون» وهذا تفسير محرر لها. نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده.
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
القاهرة ـ مدينة نصر
د. محمد سيد طنطاوى
مساء الثلاثاء : ١١ من ربيع الأول ١٤٠٥ ه
٤ من ديسمبر ١٩٨٤ م
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ٧٢.