تمكن الرجل من أن يزنى بها.
والخطاب في قوله ـ تعالى ـ : (فَاجْلِدُوا ..). للحكام المكلفين بتنفيذ حدود الله ـ عزوجل ـ.
قال الجمل : «وفي رفع «الزانية والزاني» وجهان : أحدهما ـ وهو مذهب سيبويه ـ أنه مبتدأ خبره محذوف. أى : فيما يتلى عليكم حكم الزانية ، ثم بين ذلك بقوله : (فَاجْلِدُوا.). والثاني : ـ وهو مذهب الأخفش وغيره ـ أنه مبتدأ. والخبر جملة الأمر ، ودخلت الفاء لشبه المبتدأ بالشرط ..» (١).
فإن قيل : ما الحكمة في أن يبدأ الله في فاحشة الزنا بالمرأة ، وفي جريمة السرقة بالرجل ، حيث قال : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ..). (٢)؟.
فالجواب : أن الزنا من المرأة أقبح ، فإنه يترتب عليه فساد الأنساب ، وإلحاق الدنس والعار بزوجها وأهلها ، وافتضاح أمرها عن طريق الحمل ، وفضلا عن ذلك ، فإن تمكينها نفسها للرجل : هو الذي كان السبب في اقترافه هذه الفاحشة ، فلهذا وغيره قدمت المرأة هنا.
وأما جريمة السرقة ، فالغالب أن الرجال أكثر إقداما عليها ، لأنها تحتاج إلى جسارة وقوة ، واجتياز للمخاطر ... لذا قدم الرجل على المرأة فيها.
وقوله ـ تعالى ـ (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ.). نهى منه ـ سبحانه ـ عن التهاون في تنفيذ حدوده ، وحض على إقامتها بحزم وقوة ، والرأفة : أعلى درجات الرحمة. يقال : رؤف فلان بفلان ـ بزنة كرم ـ إذا اشتد في رحمته ، وفي العناية بأمره.
أى : أقيموا ـ أيها الحكام ـ حدود الله ـ تعالى ـ على الزانية والزاني بأن تجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ، دون أن تأخذكم شفقة أو رحمة في تنفيذ هذه الحدود ، ودون أن تقبلوا في التخفيف عنهما شفاعة شفيع ، أو وساطة وسيط ، فإن الله ـ تعالى ـ الذي شرع هذه الحدود. وأمر بتنفيذها بكل شدة وقوة ، أرحم بعباده وبخلقه منكم. والرحمة والرأفة في تنفيذ أحكامه ، لا في تعطيلها. ولا في إجرائها على غير وجهها.
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.). تأكيد لما قبله ، وإلهاب لمشاعرهم ، لتنفيذ حدود الله ـ تعالى ـ.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٢٠٦.
(٢) سورة المائدة الآية ٣٨.