أى : إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا حقا ، فأقيموا حدود الله ، واجلدوا الزانية والزاني مائة جلدة ، لا تأخذكم بهما رأفة أو شفقة في ذلك.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بيان لما يجب على الحكام أن يفعلوه عند تنفيذ العقوبة والأمر بشهود عذابهما للاستحباب لا للوجوب.
والمراد بعذابهما : إقامة الحد عليهما ، والطائفة في الأصل : اسم فاعل من الطواف ، وهو الدوران والإحاطة. وتطلق الطائفة عند كثير من اللغويين على الواحد فما فوقه.
قال الآلوسى : «والحق أن المراد بالطائفة هنا ، جماعة يحصل بهم التشهير والزجر ، وتختلف قلة وكثرة بحسب اختلاف الأماكن والأشخاص فرب شخص يحصل تشهيره وزجره بثلاثة. وآخر لا يحصل تشهيره وزجره بعشرة وللقائل بالأربعة هنا وجه وجيه» (١).
ولعل السبب في وجاهة رأى القائلين بالأربعة أن هذا العدد هو الذي يثبت به الزنا.
أى : وليشهد إقامة الحد على الزانية والزاني ، عدد من المؤمنين ، ليكون زيادة في التنكيل بمن يرتكب هذه الفاحشة ، وأدعى إلى الاعتبار والاتعاظ وأزجر لمن تسول له نفسه الإقدام على تلك الجريمة النكراء.
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى تقبيح أمر الزنا تقبيحا آخر أشد وأخزى فقال : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ، وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ..).
والظاهر أن المراد بالنكاح هنا : العقد الذي تترتب عليه المعاشرة الزوجية ، لأن أكثر ورود لفظ النكاح في القرآن. أن يكون بمعنى العقد ، بل قال بعضهم إنه لم يرد إلا بهذا المعنى.
أى : أنه جرت العادة أن الشخص الزاني لا يتزوج إلا زانية مثله أو مشركة وكذلك المرأة الزانية لا تميل بطبعها إلا إلى الزواج من رجل زان مثلها أو من رجل مشرك وذلك لأن المؤمن بطبعه ينفر من الزواج بالمرأة الزانية ، وكذلك المرأة المؤمنة تأنف من الزواج بالرجل الزاني.
فالآية الكريمة تحكى بأسلوب بديع ما تقتضيه طبيعة الناس في التآلف والتزاوج ، وتبين أن المشاكلة في الطباع علة للتلاقي ، وأن التنافر في الطباع علة للاختلاف.
وصدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث يقول : الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف.
وبدئ هنا بالزاني ، لأن الآية مسوقة للحديث عن النكاح ، والرجل هو الذي يتولاه ، وهو الأصل فيه ، لأنه هو الذي يلتمسه عن طريق الخطبة وما يتبعها من خطوات توصله إلى
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ٨٤.