إتمام عقد الزواج ، والمرأة ـ في هذا الباب ـ تكون في العادة مطلوبة لا طالبة ، ومرغوبة لا راغبة.
وجمع ـ سبحانه ـ بين رغبة الزاني ورغبة الزانية لتأكيد ما يليق بكليهما من الميل الدنىء. والطبع الوضيع. والسلوك الخبيث. وأن كل واحد منهما ألعن من صاحبه في ولوج الطريق القبيح.
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) يعود على الزنا. وعلى الزواج من الزواني ، لما فيه من التشبيه بالفاسقين ، ومن التعرض للعقوبة وسوء السيرة.
أى : وحرم ذلك الذي نهيناكم عنه ـ وهو الزنا والاقتران بمن يرتكبه ـ على المؤمنين الأطهار ، الذين ينزهون أنفسهم عن الوقوع في السوء والفحشاء.
هذا. وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها : ما رواه الترمذي وأبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده قال : كان رجل يقال له «مرثد بن أبى مرثد» كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتى بهم المدينة. قال : وكانت امرأة بغىّ بمكة يقال لها «عناق» وكانت صديقة له ـ أى في الجاهلية ـ وأنه واعد رجلا من أسارى مكة يحمله ، قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة قال : فجاءت «عناق» فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط ، فلما انتهت إلى عرفتني ، فقالت : مرثد؟
فقلت : مرثد فقالت : مرحبا وأهلا. هلم فبت عندنا الليلة. فقال : فقلت : يا عناق. حرم الله الزنا. فقالت : يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم. قال : فتبعني ثمانية ودخلت الخندمة ـ أى جبل بمكة ـ فانتهيت إلى غار ... فأعماهم الله ـ تعالى ـ عنى. ثم رجعوا فرجعت إلى صاحبي فحملته إلى المدينة ، فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت : يا رسول الله ، أنكح عناقا؟ أنكح عناقا؟ ـ مرتين ـ ، فأمسك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يرد شيئا حتى نزلت هذه الآية : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً.). فقال : رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا مرثد. (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً.). فلا تنكحها. (١) هذا. ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى :
١ ـ ظاهر قوله ـ تعالى ـ : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ.).
يفيد أن هذا الجلد لكل من ارتكب هذه الفاحشة سواء أكان محصنا أم غير محصن.
ولكن هذا الظاهر قد فصلته السنة الصحيحة. حيث بينت أن هذا الحد ، إنما هو لغير
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٩.