المحصن. أما المحصن ـ وهو المتزوج أو من سبق له الزواج ـ فإن حده الرجم حتى يموت.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : «هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد».
وللعلماء فيه تفصيل ونزاع ، فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرا : وهو الذي لم يتزوج ، أو محصنا : وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح ، وهو حر بالغ عاقل.
فأما إذا كان بكرا لم يتزوج فإن حده مائة جلدة كما في الآية. ويزاد على ذلك أن يغرّب عاما عند جمهور العلماء.
وحجتهم في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة ، أن أعرابيين أتيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال أحدهما : يا رسول الله ، إن ابني كان عسيفا ـ أى أجيرا ـ عند هذا فزنى بامرأته فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة ، فسألت أهل العلم فأخبرونى أن على ابني جلد مائة وتغريب عام. وأن على امرأة هذا الرجم. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله : الوليدة والغنم رد عليك. وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس ـ وهو رجل من قبيلة أسلم ـ إلى امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها ، فغدا عليها ، فاعترفت فرجمها.
ففي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلده مائة. إذا كان بكرا لم يتزوج فأما إذا كان محصنا فإنه يرجم.
وثبت في الصحيحين من حديث مالك ـ مطولا ـ ، أن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ قام فخطب الناس فقال : «أيها الناس ، إن الله بعث محمدا صلىاللهعليهوسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورجمنا بعده ، فأخشى أن يطول بالناس زمان فيقول قائل : لا نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله ، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف».
وقد رجم النبي صلىاللهعليهوسلم ما عزا والغامدية ، إلا أن جمهور الفقهاء يرون أنه يكتفى بالرجم ، ولا يجلد قبل الرجم ، لأنه لم ينقل عن الرسول صلىاللهعليهوسلم أنه جلد أحدا من الزناة المحصنين قبل أن يرجمهم ، ومن الفقهاء من يرى أنهم يجلدون ثم يرجمون بعد ذلك (١) وقال بعض العلماء ما ملخصه : اعلم أن رجم الزانيين المحصنين ، دلت عليه آيتان من
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣ وما بعدها.