عليهاالسلام منى .. وكان ذلك عند الصخرة التي بمنى .. (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) أى : وعند ما صرع إبراهيم ابنه ليذبحه ، واستسلما لأمرنا .. نادينا إبراهيم بقولنا (يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) أى : قد فعلت ما أمرناك به ، ونفذت ما رأيته في رؤياك تنفيذا كاملا ، يدل على صدقك في إيمانك ، وعلى قوة إخلاصك.
قال الجمل : فإن قلت : كيف قال الله ـ تعالى ـ لإبراهيم : قد صدقت الرؤيا وهو إنما رأى أن يذبح ابنه ، وما كان تصديقها إلا لو حصل منه الذبح؟
قلت : جعله الله مصدقا لأنه بذل جهده ووسعه ، وأتى بما أمكنه ، وفعل ما يفعله الذابح ، فأتى بالمطلوب ، وهو انقيادهما لأمر الله (٢).
وجملة «إنا كذلك نجزى المحسنين» تعليل لما قبلها. أى : فعلنا ما فعلنا من تفريج الكرب عن إبراهيم وإسماعيل ، لأن سنتنا قد اقتضت أن نجازي المحسنين الجزاء الذي يرفع درجاتهم ، ويفرج كرباتهم ، ويكشف الهم والغم عنهم.
واسم الإشارة في قوله : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) يعود إلى ما ابتلى الله ـ تعالى ـ نبيه إبراهيم وإسماعيل.
أى : إن هذا الذي ابتلينا به هذين النبيين الكريمين ، لهو البلاء الواضح ، والاختبار الظاهر ، الذي به يتميز قوى الإيمان من ضعيفه ، والذي لا يحتمله إلا أصحاب العزائم العالية ، والقلوب السليمة ، والنفوس المخلصة لله رب العالمين.
ثم بين ـ سبحانه ـ مظاهر فضله على هذين النبيين الكريمين فقال : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) والذبح بمعنى المذبوح فهو مصدر بمعنى اسم المفعول كالطحن بمعنى المطحون.
أى : وفدينا إسماعيل ـ عليهالسلام ـ بمذبوح عظيم في هيئته ، وفي قدره ، لأنه من عندنا ، وليس من عند غيرنا.
قيل : افتداه الله ـ تعالى ـ بكبش أبيض ، أقرن ، عظيم القدر.
(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ. سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ. كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ).
أى : ومن مظاهر فضلنا وإحساننا وتكريمنا لنبينا إبراهيم ـ أننا أبقينا ذكره الحسن في الأمم التي ستأتى من بعده ، وجعلنا التحية والسلام منا ومن المؤمنين عليه إلى يوم الدين ، ومثل هذا
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ١٣٠.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٥٤٨.