الجزاء نجزى المحسنين ، إنه ـ عليهالسلام ـ من عبادنا الصادقين في إيمانهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ مظهرا آخر من مظاهر فضله على نبيه إبراهيم فقال : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ. وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ).
أى : ومن مظاهر تكريمنا لإبراهيم ، أننا بشرناه بولد آخر هو إسحاق ، الذي جعلناه نبيا من أنبيائنا الصالحين لحمل رسالتنا ، وأفضنا على إبراهيم وعلى إسحاق الكثير من بركاتنا الدينية والدنيوية ، بأن جعلنا عددا كبيرا من الأنبياء من نسلهما.
ومع ذلك فقد اقتضت حكمتنا أن نجعل من ذريتهما من هو محسن في قوله وعمله ، ومن هو ظالم لنفسه بالكفر والمعاصي ظلما واضحا بينا ، وسنجازى كل فريق بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
هذا ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى :
١ ـ أن الرسل جميعا قد جاءوا من عند الله ـ تعالى ـ بدين واحد في أصوله ، وأن كل واحد منهم قد سار على نهج سابقه في الدعوة إلى وحدانية الله ، وإلى مكارم الأخلاق ، وقد بين ـ سبحانه ـ في مطلع هذه القصة ، أن إبراهيم كان من شيعة نوح ـ عليهالسلام ـ أى : من أتباعه الذين ساروا على سنته في دعوة الناس إلى عبادة الله وحده.
وقد أمر ـ عزوجل ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يقتدى بإخوانه السابقين من الأنبياء ، فقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ).
٢ ـ أن تعاطى الحيل الشرعية من أجل إزالة المنكر ، أمر مشروع ، فإن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لكي يقضى على الأصنام ، اعتذر لقومه عن الخروج معهم في يوم عيدهم ، وقال لهم : إنى سقيم ـ بعد أن نظر في النجوم.
وكان مقصده من وراء ذلك ، أن يختلى بالأصنام ليحطمها ، ويثبت لقومه أنها لا تصلح للألوهية.
٣ ـ أن سنة الله ـ تعالى ـ قد اقتضت أن يراعى ـ بفضله وكرمه ـ عباده المخلصين ، وأن ينصرهم على أعدائهم ، الذين يبيتون لهم الشرور والسوء.
ونرى ذلك جليا في هذه القصة ، فقد أضمر الكافرون لإبراهيم الكيد والإهلاك. فأنجاه الله ـ تعالى ـ من مكرهم ، كما قال ـ تعالى ـ : (فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ).
٤ ـ أن على المؤمن إذا لم يتمكن من نشر دعوة الحق في مكان معين أن ينتقل منه إلى مكان