فكأن الله ـ تعالى ـ يقول لأولئك المعارضين في أن القرآن من عند الله هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلام من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ، ومنظوما من حروف هي من جنس الحروف الهجائية التي تنظمون منها حروفكم.
فإن كنتم في شك من كونه منزلا من عند الله فهاتوا مثله ، وادعوا من شئتم من الخلق لكي يعاونكم في ذلك ، أو في الإتيان بعشر سور من مثله ، أو بسورة واحدة من مثله.
فعجزوا وانقلبوا خاسرين. وثبت أن هذا القرآن من عند الله ـ تعالى ـ.
والواو في قوله ـ تعالى ـ : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) للقسم. والمقسم به القرآن الكريم. وجواب القسم محذوف ، لدلالة ما بعده عليه.
والذكر ، يطلق على الشرف ونباهة الشأن ، يقال فلان مذكور ، أى : صاحب شرف ونباهة. ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ).
ويطلق وبراد به التذكير على أنه مصدر ، لأن القرآن مشتمل على المواعظ والأحكام وقصص الأنبياء. وغير ذلك مما يسعد الناس في دينهم ودنياهم.
وهذان الإطلاقان ينطبقان على القرآن الكريم ، فيكون المعنى : وحق القرآن الكريم ذي الشرف العظيم ، وذي التذكير الحكيم المشتمل على ما ينفع الناس في دنياهم وآخرتهم ..
إنك ـ أيها الرسول الكريم ـ لصادق في كل ما تبلغه عن ربك ولم يصدر منك إطلاقا ما يخالف الحق الذي أمرناك بتبليغه للناس.
قال بعض العلماء ما ملخصه : اعلم أنهم اختلفوا في تعيين الشيء الذي أقسم الله ـ تعالى ـ عليه في قوله : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ).
فقال بعضهم إن المقسم عليه مذكور ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) أو قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) أو قوله ـ تعالى ـ : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) ..
والحق أن القول بأن المقسم عليه مذكور ظاهر السقوط.
وقال آخرون إن المقسم عليه محذوف ، واختلفوا في تقديره ، فقال صاحب الكشاف : التقدير : «والقرآن ذي الذكر» إنه لمعجز. وقدره ابن عطية فقال : والتقدير : والقرآن ذي الذكر ليس الأمر كما يقول الكفار .. (١).
__________________
(١) راجع تفسير أضواء البيان ج ٧ ص ٨ الشيخ محمد الأمين الشنقيطى.