وقوله ـ تعالى ـ : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) انتقال من القسم والمقسم به ، إلى بيان حال الكفار وما هم عليه من غرور وعناد.
والمراد بالعزة هنا : الحمية والاستكبار عن اتباع الحق ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) (١).
وليس المراد بها القهر والغلبة كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٢).
وأصل الشقاق : المخالفة والمنازعة بين الخصمين حتى لكأن كل واحد منهما في شق غير الذي فيه الآخر. والمراد به هنا : مخالفة المشركين لما جاءهم به النبي صلىاللهعليهوسلم.
والمعنى : وحق القرآن الكريم ذي الشرف وسمو القدر. إنك ـ أيها الرسول الكريم ـ لصادق فيما تبلغه عن ربك ، ولست كما يقول أعداؤك في شأنك. بل الحق أن هؤلاء الكافرين في حمية واستكبار عن قبول الهداية التي جئتهم بها من عند ربك ، وفي مخالفة ومعارضة لكل ما لا يتفق مع ما وجدوا عليه آباءهم من عبادة للأصنام ، ومن عكوف على عاداتهم الباطلة.
والتعبير بفي في قوله (فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) للإشعار بأن ما هم عليه من عناد ومن مخالفته للحق ، قد أحاط بهم من كل جوانبهم ، كما يحيط الظرف بالمظروف.
ثم خوفهم ـ سبحانه ـ بما أصاب الأمم من قبلهم ، وحذرهم من أن يكون مصيرهم كمصير المكذبين السابقين فقال : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ).
«وكم» هنا خبرية. ومعناها : الإخبار عن عدد كثير. وهي في محل نصب على أنها مفعول به لأهلكنا.
وصيغة الجمع في أهلكنا للتعظيم. و «من» في قوله (مِنْ قَبْلِهِمْ) لابتداء الغاية ، وفي قوله : (مِنْ قَرْنٍ) مميزة لكم. والقرن : يطلق على الزمان الذي يعيش فيه جيل من الناس ، ومدته ـ على الراجح ـ مائة سنة والمراد به هنا أهل الزمان.
والمراد بالنداء في قوله ـ تعالى ـ : (فَنادَوْا) الاستغاثة والضراعة إلى الله أن يكشف عنهم العذاب.
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٢٠٦.
(٢) سورة المنافقون الآية ٨.