و (لاتَ) هي لا المشبهة بليس ـ وهذا رأى سيبويه ـ فهي حرف نفى زيدت فيه التاء لتأكيد هذا النفي.
وأشهر أقوال النحويين فيها أنها تعمل عمل ليس ، وأنها لا تعمل إلا في الحين خاصة ، أو في لفظ الحين ونحوه من الأزمنة ، كالساعة والأوان ، وأنها لا بد أن يحذف اسمها أو خبرها ، والأكثر حذف المرفوع منهما وإثبات المنصوب.
والحين : ظرف مبهم يتخصص بالإضافة.
وقوله : (مَناصٍ) مصدر ميمى بمعنى الفرار والخلاص. يقال : ناص فلان من عدوه ـ من باب قال ـ فهو ينوص نوصا ومناصا ، إذا فر منه ، وهرب من لقائه.
أو بمعنى النجاة والفوت. يقال : ناصه ينوصه إذا فاته ونجا منه.
والمراد بقوله ـ تعالى ـ : (أَهْلَكْنا) الشروع في الإهلاك بدليل قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك (فَنادَوْا) إذ من المعروف أن من هلك بالفعل لا يستغيث ولا ينادى.
والمعنى : إن هؤلاء الكافرين المستكبرين عن طاعتنا وعبادتنا ، قد علموا أننا أهلكنا كثيرا من السابقين أمثالهم ، وأن هؤلاء السابقين عند ما رأوا أمارات العذاب ومقدماته ، جأروا إلينا بالدعاء أن نكشفه عنهم ، واستغاثوا استغاثة جاءت في غير وقتها ، ولقد قلنا لهم عند ما استغاثوا بنا عند فوات الأوان : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ).
أى : ليس الوقت الذي استغثتم بنا فيه وقت نجاة وفرار من العقاب ، بل هو وقت تنفيذ العقوبة فيكم ، بعد أن تماديتم في كفركم ، وأعرضتم عن دعوة الحق بدون إنابة أو ندم.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ ، وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا ..) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ. لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) (٢).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك جانبا من أكاذيب المشركين الناتجة عن استكبارهم وشقاقهم فقال : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ، وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ. أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) ..
__________________
(١) سورة غافر الآيتان ٨٤ ـ ٨٥.
(٢) سورة المؤمنون الآيتان ٦٤ ـ ٦٥.