وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها : أن جماعة من قريش اجتمعوا في نفر من مشيخة قريش ، فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى أبى طالب ، لنكلمه في شأن ابن أخيه ... فلما دخلوا على أبى طالب قالوا له : أنت كبيرنا وسيدنا ، فأنصفنا من ابن أخيك ، فمره فليكف عن شتم آلهتنا ، وندعه وإلهه.
فقال أبو طالب للنبي صلىاللهعليهوسلم يا ابن أخى هؤلاء مشيخة قريش ، وقد سألوك أن تكف عن شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك.
فقال صلىاللهعليهوسلم : «يا عم ، أفلا أدعوهم إلى ما هو خير لهم؟ قال : وإلام تدعوهم؟ قال : أدعوهم أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ، ويملكون بها العجم».
فقال أبو جهل من بين القوم : ما هي وأبيك؟ لنعطينها لك وعشرة أمثالها ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «تقولون : لا إله إلا الله».
فنفر أبو جهل وقال : سلنا غير هذا.
فقال صلىاللهعليهوسلم : «لو جئتمونى بالشمس حتى تضعوها في يدي ، ما سألتكم غيرها».
فقاموا غضابا. وقالوا : والله لنشتمنك وإلهك الذي أرسلك بهذا. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَعَجِبُوا ...) مأخوذ من العجب ، وهو تغير في النفس من أمر لا ترتاح إليه ، وتخفى لديها أسبابه.
أى : وعجب هؤلاء الكافرون من مجيء منذر منهم ينذرهم بسوء عاقبة الشرك. ويأمرهم بعبادة الله ـ تعالى ـ وحده.
(وَقالَ) هؤلاء (الْكافِرُونَ) عند ما دعاهم الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى الدين الحق.
(هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) أى : قالوا : هذا الرسول ساحر لأنه يأتينا بخوارق لم نألفها ، وكذاب فيما يسنده إلى الله ـ تعالى ـ من أنه ـ سبحانه ـ أرسله إلينا.
وقال ـ سبحانه ـ : (وَقالَ الْكافِرُونَ) بالإظهار دون الإضمار ، لتسجيل الكفر والجحود عليهم. وللإيذان بأن كفرهم هو الباعث لهم على وصف الرسول صلىاللهعليهوسلم بما هو منزه عنه من السحر والكذب.
ثم أضافوا إلى هذا القول الباطل ، أقوالا أخرى لا تقل عن غيرها في البطلان والفساد. فقالوا ـ كما حكى القرآن ـ : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً).
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٦.