وأما المسألة الثانية فهي مسألة المقصود بقوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ ..)
وسنسير في تفسير هذه الآيات على الرأى الذي تطمئن إلى صحته نفوسنا ، ثم نذكر بعده بعض الأقوال التي قيلت في هذا الشأن ، ونرد على ما يستحق الرد منه ، فنقول ـ وبالله التوفيق ـ :
المخصوص بالمدح في قوله ـ تعالى ـ : (نِعْمَ الْعَبْدُ) محذوف ، والمقصود به سليمان ـ عليهالسلام ـ. أى : ووهبنا ـ بفضلنا وإحساننا ـ لعبدنا داود ابنه سليمان ـ عليهماالسلام ـ ونعم العبد سليمان في دينه وفي خلقه وفي شكره لخالقه ـ تعالى ـ.
وجملة «إنه أواب» تعليل لهذا المدح من الله ـ تعالى ـ لسليمان ـ عليهالسلام ـ أى : إنه رجاع إلى ما يرضى الله ـ تعالى ـ مأخوذ من آب الرجل إلى داره ، إذا رجع إليها.
و «إذ» في قوله : (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ) منصوب بفعل تقديره : اذكر ، و «عليه» متعلق بعرض و «العشى» يطلق على الزمان الكائن من زوال الشمس إلى آخر النهار. وقيل إلى مطلع الفجر.
والصافنات : جمع صافن ، والصافن من الخيل : الذي يقف على ثلاثة أرجل ويرفع الرابعة فيقف على مقدم حافرها.
والجياد : جمع جواد ، وهو الفرس السريع العدو ، الجيد الركض ، سواء أكان ذكرا أم أنثى ، يقال : جاد الفرس يجود جودة فهو جواد ، إذا كان سريع الجري ، فاره المظهر ..
أى : اذكر ـ أيها العاقل ـ ما كان من سليمان ـ عليهالسلام ـ وقت أن عرض عليه بالعشي الخيول الجميلة الشكل. السريعة العدو ..
قال صاحب الكشاف : فإن قلت. ما معنى وصفها بالصفون؟ قلت : الصفون لا يكاد يوجد في الهجن ، وإنما هو في ـ الخيل ـ العراب الخلص وقيل : وصفها بالصفون والجودة ، ليجمع لها بين الوصفين المحمودين : واقفة وجارية ، يعنى إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها ، وإذا جرت كانت سراعا خفافا في جريها .. (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قاله سليمان ـ عليهالسلام ـ خلال استعراضه للخيول الصافنات الجياد على سبيل الشكر لربه ، فقال ـ تعالى ـ : (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٩١.