سدا ، مستو عندهم إنذارك إياهم وعدمه ، فهم ـ لسوء استعدادهم وفساد فطرهم ـ لا يؤمنون بالحق الذي جئتهم به سواء دعوتهم إليه أم لم تدعهم إليه ، وسواء خوفتهم بالعذاب أم لم تخوفهم به ، لأنهم ماتت قلوبهم ، وصارت لا تتأثر بشيء مما تدعوهم إليه ..
ثم بين ـ سبحانه ـ من هم أهل للتذكير فقال : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ).
أى : إنما تنذر ـ أيها الرسول الكريم ـ إنذارا نافعا ، أولئك الذين اتبعوا إرشادات القرآن الكريم وأوامره ونواهيه ...
وينفع إنذارك ـ أيضا ـ مع من (خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) أى : مع من خاف عقاب الرحمن دون أن يرى هذا العقاب ، ودون أن يرى الله ـ تعالى ـ الذي له الخلق والأمر.
هؤلاء هم الذين ينفع معهم الإنذار والتذكير والإرشاد ، لأنهم فتحوا قلوبهم للحق ، واستجابوا له.
والفاء في قوله : (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) لترتيب البشارة أو الأمر بها ، على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية.
أى : فبشر ـ أيها الرسول الكريم ـ هذا النوع من الناس ، بمغفرة عظيمة منا لذنوبهم ، وبأجر كريم لا يعلم مقداره أحد سوانا.
ثم أكد ـ سبحانه ـ أن البعث حق ، وأن الجزاء حق ، لكي لا يغفل عنهما الناس ، ولكي يستعدوا لهما بالإيمان والعمل الصالح فقال : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى ...).
أى : إنا نحن بقدرتنا وحدها نحيى الموتى بعد موتهم ، ونعيدهم إلى الحياة مرة أخرى لكي نحاسبهم على أعمالهم.
(وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) أى : وإنا نحن الذين نسجل عليهم أعمالهم التي عملوها في الدنيا سواء أكانت هذه الأعمال صالحة أم غير صالحة.
ونسجل لهم ـ أيضا ـ آثارهم التي تركوها بعد موتهم سواء أكانت صالحة كعلم نافع ، أو صدقة جارية ... أم غير صالحة كدار للهو واللعب ، وكرأى من الآراء الباطلة التي اتبعها من جاء بعدهم ، وسنجازيهم على ذلك بما يستحقون من ثواب أو عقاب (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) أى : وكل شيء أثبتناه وبيناه في أصل عظيم ، وفي كتاب واضح عندنا. ألا وهو اللوح المحفوظ ، أو علمنا الذي لا يعزب عنه شيء.
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : وفي قوله : (آثارَهُمْ) قولان :
أحدهما : ونكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم ، وآثارهم التي أثروها ـ أى تركوها ـ من