بعدهم ، فنجزيهم على ذلك ـ أيضا ـ ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر. كقوله صلىاللهعليهوسلم من سن في الإسلام سنة حسنة ، فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ..
والثاني : أن المراد بقوله (وَآثارَهُمْ) أى : آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية. فقد روى مسلم والإمام أحمد عن جابر بن عبد الله قال : خلت البقاع حول المسجد ، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لهم : «إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا إلى المسجد؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قد أردنا ذلك ، فقال : يا بنى سلمة ، دياركم تكتب آثاركم ، دياركم تكتب آثاركم».
ثم قال ابن كثير : ولا تنافى بين هذا القول والذي قبله ، بل في القول الثاني تنبيه ودلالة على ذلك بطريق الأولى والأحرى ، فإنه إذا كانت هذه الآثار تكتب ، فلأن تكتب التي فيها قدوة بهم من خير أو شر بطريق الأولى (١).
هذا ، وتلك الرواية الصحيحة تشير إلى أن هذه الآية ليست مدنية ـ كما قيل ـ ، لأن هذه الرواية تصرح بأن الرسول صلىاللهعليهوسلم قد قال لبنى سلمة ، «دياركم تكتب آثاركم» أى : ألزموا دياركم تكتب آثاركم .. دون إشارة إلى سبب النزول.
قال الآلوسى ما ملخصه : والأحاديث التي فيها أن الله ـ تعالى ـ أنزل هذه الآية ، حين أراد بنو سلمة أن ينتقلوا من ديارهم. معارضة بما في الصحيحين من أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ لهم هذه الآية ، ولم يذكر أنها نزلت فيهم ، وقراءته صلىاللهعليهوسلم لا تنافى تقدم النزول. أى : أن الآية مكية كبقية السورة (٢).
وبذلك نرى الآيات الكريمة ، قد أثبتت صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما يبلغه عن ربه ، وبينت الحكمة من رسالته ، كما بينت أن يوم القيامة آت لا ريب فيه.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يقرأ على الناس ـ ليعتبروا ويتعظوا ـ قصة أصحاب القرية ، وما جرى بينهم وبين الرسل الذين جاءوا لهدايتهم وإرشادهم إلى الطريق المستقيم فقال ـ تعالى ـ.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٥٥١.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ٢١٨.