قال الآلوسى : «هذا» إشارة إلى ما تقدم من الآيات الناطقة بمحاسنهم «ذكر» أى : شرف لهم ... والمراد أن في ذكر قصصهم ... شرف عظيم لهم.
أو المعنى : هذا المذكور من الآيات نوع من الذكر الذي هو القرآن ، وذكر ذلك للانتقال من نوع من الكلام إلى آخر ، كما يقول الجاحظ في كتبه : فهذا باب ، ثم يشرع في باب آخر.
ويقول الكاتب إذا فرغ من فصل من كتابه وأراد الشروع في آخر : هذا ، وكان كيت وكيت ، ويحذف على ما قيل الخبر في مثل ذلك كثيرا ، وعليه (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ..) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) بيان لما أعده لهم ـ سبحانه ـ في الآخرة من عطاء جزيل ، وثواب عظيم.
والمآب : اسم مكان من آب فلان يؤوب إذا رجع ، والمراد بالمتقين : كل من تحققت فيه صفة التقوى والخوف من الله ـ تعالى ـ وعلى رأسهم الأنبياء الذين اصطفاهم الله ـ تعالى ـ واختارهم لتبليغ رسالته. أى : وإن للمتقين في الآخرة لمنزل كريم يرجعون إليه في الآخرة. فيجدون فيه ما لا عين رأت. ولا أذن سمعت. ولا خطر على قلب بشر.
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (هذا ذِكْرٌ) يعود إلى ما ذكره ـ سبحانه ـ في الآيات السابقة ، عن هؤلاء الأنبياء من ثناء وتكريم. والذكر : الشرف والفضل.
أى : هذا الذي ذكرناه عن هؤلاء الأنبياء شرف لهم ، وذكر جميل يذكرون به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ثم فصل ـ سبحانه ـ ما أعده لهم في الآخرة من تكريم فقال : (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ).
والعدن في اللغة : الإقامة الدائمة في المكان. يقال : عدن فلان بمكان كذا ، إذا أقام به إقامة دائمة. وجنات : بدل اشتمال من قوله : (لَحُسْنَ مَآبٍ).
أى : هؤلاء المتقون أكرمناهم في الدنيا بالذكر الحسن. ونكرمهم في الآخرة بأن ندخلهم جنات عظيمة دخولا دائما مؤبدا ، وقد فتحت أبوابها على سبيل التكريم لهم. والحفاوة بمقدمهم.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ٢١٢.