بلال؟ أين صهيب؟ أين عمار؟ أولئك في الفردوس ، وا عجبا لأبى جهل! مسكين أسلم ابنه عكرمة ، وابنته جويرية ، وأسلمت أمه ، وأسلم أخوه. وكفر هو. قال :
ونورا أضاء الأرض شرقا ومغربا |
|
وموضع رجلي منه أسود مظلم (١) |
ثم حكى القرآن ما سأله هؤلاء المشركون لأنفسهم عند ما تلفتوا في النار ، فلم يجدوا أحدا من المؤمنين الذين كانوا يصفونهم بأنهم من الأشرار فقال : (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا ، أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ).
أى : إنهم بعد أن دخلوا النار أخذوا يدورون بأعينهم فيها فلم يروا المؤمنين الذين كانوا يستهزئون بهم في الدنيا ، فقالوا فيما بينهم : ما بالنا لا نرى الرجال الذين كنا نسخر منهم في الدنيا ، ألم يدخلوا معنا النار؟ أم دخلوها ولكن أبصارنا لا تراهم وزاغت عنهم؟.
فهم يتحسرون على أحوالهم البائسة بعد أن وجدوا أنفسهم في النار ، وليس معهم من كانوا يسخرون منهم في الدنيا وهم فقراء المؤمنين.
قال صاحب الكشاف : قوله : (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) قرئ بلفظ الإخبار على أنه صفة لقوله (رِجالاً) مثل قوله (كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ). وقرئ بهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم وتأنيب لها في الاستسخار منهم.
وقوله : (أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) له وجهان من الاتصال : أحدهما : أن يتصل بقوله : (ما لَنا). أى : ما لنا لا نراهم في النار؟ كأنهم ليسوا فيها ، بل أزاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم فيها؟ قسموا أمرهم بين أن يكونوا من أهل الجنة وبين أن يكونوا من أهل النار إلا أنهم خفى عليهم مكانهم.
الوجه الثاني : أن يتصل بقوله : (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا ...) على معنى أى الفعلين فعلنا بهم : الاستسخار منهم ، أم الازدراء بهم والتحقير ، وأن أبصارنا كانت تعلو عنهم وتقتحمهم ، على معنى إنكار الأمرين جميعا على أنفسهم ...» (٢).
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) يعود إلى التخاصم الذي حكى عنهم.
وقوله : (لَحَقٌ) خبر إن. وقوله : (تَخاصُمُ) خبر لمبتدأ محذوف ، والجملة بيان لاسم الإشارة ، وفي الإبهام أولا والتبيين ثانيا مزيد تقرير له.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٥ ص ٢٢٤.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٠٢.