الضلال. (مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) أى داخل معكم النار وعلى غير اختيار منه. وإنما يساق إليها سوقا في ذلة ومهانة.
وهنا يقول زعماء الكفر : (لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) أى : لا مرحبا ولا أهلا بهؤلاء الداخلين في النار معنا ، لأنهم سيصلون سعيرها مثلنا ، ولن يستطيعوا أن يدفعوا شيئا من حرها عنا ...
فقوله (مَرْحَباً) مفعول به لفعل محذوف وجوبا ، والتقدير : أتوا معنا لا مرحبا بهم. والجملة دعائية لا محل لها من الإعراب أى : لا أتوا مكانا رحبا بل ضيقا ، وهنا يحكى القرآن رد الفوج المقتحم للنار معهم فيقول : (قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ ..).
أى : قال الداخلون في النار وهم الأتباع لرؤسائهم : بل أنتم الذين لا مرحبا بكم ، وإنما الضيق والهلاك لكم.
(أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ) أى : لا مرحبا بكم لأنكم أنتم أيها الزعماء الذين تسببتم لنا دخول النار معكم ، إذ دعوتمونا في الدنيا إلى الكفر فاتبعناكم ، فبئس القرار والمنزل لنا ولكم جهنم.
فالجملة الكريمة تعليل لأحقية الرؤساء بدخول النار ، ويقولها الأتباع على سبيل التشفي منهم. ثم يضيفون إلى ذلك قولهم : (رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ).
أى : يا ربنا من كان سببا في نزول هذا العذاب بنا ، فزده عذابا مضاعفا في النار ، لأننا لو لا هؤلاء الرؤساء وإضلالهم لنا ، لما صرنا إلى هذا المصير الأليم.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ حكاية عنهم : (وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما يقوله أئمة الكفر ، عند ما يدورون بأعينهم في النار ، فلا يرون المؤمنين الذين كانوا يستهزئون بهم في الدنيا فقال : (وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ ..). أى : وقال رؤساء الكفر على سبيل التحسر والتعجب وهم ملقون في النار ما لنا لا نرى معنا في جهنم رجالا من فقراء المؤمنين ، كنا نعدهم في الدنيا من الأراذل الأخساء ، لسوء حالهم ، وقلة ذات يدهم.
قال القرطبي : قال ابن عباس : يريدون أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم يقول أبو جهل : أين
__________________
(١) سورة الأحزاب الآيتان ٦٧ ، ٦٨