قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (٨٨)
والمعنى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المشركين : إنما وظيفتي الإنذار والتخويف لكم من عذاب شديد ، إذا بقيتم على كفركم ، وأعرضتم عن دعوتي.
واقتصر على الإنذار مع أنه مبشر ـ أيضا ـ لأنه المناسب لردهم عن شركهم ، وعن وصفهم له تارة بأنه ساحر ، وأخرى بأنه كاهن .. إلخ.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ. رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) نفى لكل شريك مع الله ـ تعالى ـ في ذاته ، أو صفاته ، أو في خلقه لهذا الكون. أى : ليس هناك من إله سوى الله ـ تعالى ـ في هذا الكون ، وهو ـ سبحانه ـ الواحد الأحد ، القاهر فوق عباده ، الموجد للسموات والأرض وما بينهما ، الغالب لكل شيء ، الكثير المغفرة لمن يشاء من عباده.
فأنت ترى أنه ـ سبحانه ـ قد وصف ذاته في هاتين الآيتين بخمس صفات ؛ تليق بذاته وببيان أن الشرك به ـ سبحانه ـ في العبادة أو الطاعة ظلم عظيم وجهل فاضح.
ثم أمر ـ سبحانه ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يبين لهم أن ما جاءهم به من عند ربه أمر عظيم ، لا يليق بعاقل أن يعرض عنه فقال : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ. أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ).
أى : قل ـ يا محمد ـ لهؤلاء المشركين : إن ما جئتكم به من عند ربي من قرآن كريم ، ومن هدايات بها تسعدون في دنياكم وآخرتكم ، هو خبر عظيم ، يجب أن تلقوا إليه أسماعكم ، وأن تهيئوا نفوسكم لقبوله .. ولكنكم قابلتموه بالإعراض والصدود ، لفرط غفلتكم ، وشدة جهالتكم ، وتماديكم في كفركم.
فالآية الأولى دعوة هامة لهم لكي يقلعوا عن شركهم ، والآية الثانية توبيخ لهم على عنادهم حيث تركوا ما ينفعهم ، وعكفوا على ما يضرهم.
ثم نفى صلىاللهعليهوسلم عن نفسه أن يكون عنده علم بشيء من أخبار الملأ الأعلى ، إلا عن طريق الوحى فقال ـ كما حكى القرآن عنه : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ