والمراد بالبشر : آدم ـ عليهالسلام ـ مأخوذ من مباشرته للأرض ، أو من كونه ظاهر البشرة ، أى الجلد والهيئة. أى : لم يكن لي من علم بالملإ الأعلى وقت اختصامهم ، حين قال الله ـ تعالى ـ للملائكة ومعهم إبليس : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) هو آدم ـ عليهالسلام ـ. فإذا صورته على صورة البشر ، وأفضت عليه ما به الحياة من الروح التي هي من أمرى ـ ولا علم لأحد بها سواي ، فاسجدوا له سجود تحية وتكريم.
ولا تعارض بين وصف آدم هنا بأنه خلق من طين ، وبين وصفه في آيات أخرى بأنه خلق من تراب ، أو من صلصال من حمأ مسنون ، فإن المادة التي خلق منها آدم وإن كانت واحدة ، إلا أنها مرت بمراحل متعددة ، وكل آية تتحدث عن مرحلة معينة.
وأضاف ـ سبحانه ـ الروح إلى ذاته ، للإشعار بأن هذه الروح لا يملكها إلا هو ـ تعالى ـ ، وأن مرد كنهها وكيفية هذا النفخ ، مما استأثر ـ سبحانه ـ به ، ولا سبيل لأحد إلى معرفته ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (١).
والفاء في قوله : (فَقَعُوا لَهُ ...) جواب إذا. والمراد بالوقوع : السقوط أى : فاسقطوا وخروا له حالة كونكم ساجدين له بأمرى وإذنى ، على سبيل التحية له ، لأن السجود بمعنى العبادة لا يكون لغير الله ـ تعالى ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما كان بعد ذلك فقال : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ).
أى : امتثل الملائكة لأمر الله ـ تعالى ـ فسجدوا جميعا لآدم في وقت واحد ، إلا إبليس فإنه أبى الامتثال لأمر ربه ، واستكبر عن طاعته ، وصار بسبب ذلك من الكافرين الجاحدين لأمر الله ـ تعالى ـ.
قال صاحب الكشاف : ولفظ «كل» للإحاطة و «أجمعون» : للاجتماع ، فأفادا معا أنهم سجدوا عن آخرهم ، ما بقي منهم ملك إلا سجد ، وأنهم سجدوا جميعا في وقت واحد ، غير متفرقين في أوقات.
فإن قلت : كيف ساغ السجود لغير الله؟ قلت : الذي لا يسوغ هو السجود لغير الله على
__________________
(١) سورة الإسراء الآية ٨٥.