وفي أول سورة الجاثية نجد قوله ـ تعالى ـ : (حم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).
وفي أول سورة الأحقاف نجد مثل هذا الافتتاح.
وفي أول سورة فصلت نجد قوله ـ تعالى ـ : (حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
وفي صدر سورة «يس» نجد قوله ـ سبحانه ـ : (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ. لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ ..).
ولا يخفى أن ذكره ـ سبحانه ـ لبعض أسمائه الحسنى ، بعد ذكره لتنزيل هذا القرآن على قلب رسوله صلىاللهعليهوسلم فيه ما فيه من الثناء على القرآن الكريم ، ومن بيان أنه قد نزل من عند الله ـ تعالى ـ وحده ، الذي له الخلق والأمر. تبارك الله رب العالمين.
ثم ساق ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما يدعو الناس إلى قبول هذا الكتاب ، وإلى العمل بهداياته ، فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ...).
أى : هذا الكتاب هو تنزيل من عند الله ـ تعالى ـ الغالب على كل شيء. والحكيم في أقواله وأفعاله. وقد أنزله ـ سبحانه ـ عليك ـ يا محمد ـ تنزيلا ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل ، أو ما يشبه الباطل ، وذلك يوجب قبوله والعمل بكل ما فيه.
قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) بيان لكونه نازلا بالحق ، وتوطئة لما يذكر بعد ... أو شروع في بيان المنزل إليه ، وما يجب عليه إثر بيان شأن المنزل ... والباء متعلقة بالإنزال ، وهي للسببية ، أى : أنزلناه بسبب الحق. أى : إثباته وإظهاره. أو بمحذوف وقع حالا من المفعول وهي للملابسة. أى : أنزلناه ملتبسا بالحق والصواب.
والمراد أن كل ما فيه موجب للعمل والقبول حتما (١).
والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها. والعبادة : أقصى درجات التذلل والخضوع للمعبود ـ عزوجل ـ والإخلاص معناه : أن يقصد المسلم بعبادته وقوله وعمله وجه الله ـ تعالى ـ.
أى : أنزلنا إليك ـ أيها الرسول الكريم ـ هذا الكتاب بالحق الذي لا يشوبه باطل ، وما دام الأمر كذلك فعليك أن تخلص لربك عبادتك وطاعتك ودينك إخلاصا تاما ، لا يحوم حوله
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ٢٣٣.