وجملة (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) تعليل لوجوب الامتثال لما أمروا به من تقوى الله ـ تعالى ـ والاستجابة لإرشاداته.
وقوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وقوله (فِي هذِهِ الدُّنْيا) متعلق بقوله : أحسنوا ، وقوله (حَسَنَةٌ) مبتدأ مؤخر.
أى : للذين أحسنوا في هذه الدنيا أقوالهم وأعمالهم .. حسنة عظيمة في الآخرة ، ألا وهي جنة عرضها السموات والأرض.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) جملة معترضة لإزاحة ما عسى أن يتعللوا به من أعذار ، إذا ما حملهم البقاء في أوطانهم على التفريط في أداء حقوق الله.
قال صاحب الكشاف : ومعنى : (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) أن لا عذر للمفرطين في الإحسان ألبتة ، حتى إن اعتلوا بأوطانهم وبلادهم ، وأنهم لا يتمكنون فيها من التوفر على الإحسان ، وصرف الهمم إليه قيل لهم : فإن أرض الله واسعة ، وبلاده كثيرة ، فلا تجتمعوا مع العجز ، وتحولوا إلى بلاد أخر ، واقتدوا بالأنبياء والصالحين في مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا إحسانا إلى إحسانهم ، وطاعة إلى طاعتهم (١).
ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ. كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ).
ثم بين ـ سبحانه ـ حسن عاقبة الصابرين فقال : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) أى : إنما يوفى الصابرون على مفارقة الأوطان ، وعلى تحمل الشدائد والمصائب في سبيل إعلاء كلمة الله ... يوفون أجرهم العظيم على كل ذلك بغير حساب من الحاسبين. لأنهم لا يستطيعون معرفة ما أعده ـ سبحانه ـ لهؤلاء الصابرين من عطاء جزيل ، ومن ثواب عظيم ، وإنما الذي يعرف ذلك هو الله ـ تعالى ـ وحده.
قال الإمام الشوكانى : أى : يوفيهم الله أجرهم في مقابلة صبرهم بما لا يقدر على حصره حاصر ، ولا يستطيع حسبانه حاسب.
والحاصل أن الآية تدل على أن ثواب الصابرين وأجرهم لا نهاية له ، لأن كل شيء يدخل تحت الحساب فهو متناه ، وما كان لا يدخل تحت الحساب فهو غير متناه. وهي فضيلة عظيمة ومثوبة جليلة ، تقتضي أن على كل راغب في ثواب الله ، وطامع فيما عنده من الخير ، أن يتوفر
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١١٧.