على الصبر ، ويزم نفسه بزمامه ، ويقيدها بقيده ، فإن الجزع لا يرد قضاء قد نزل ، ولا يجلب خيرا قد سلب ، ولا يدفع مكروها قد وقع .. (١).
ثم أمر ـ سبحانه ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يبين للناس ما أمره به خالقه فقال : (إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ).
أى : قل لهم يا محمد إنى أمرت من قبل الله ـ عزوجل ـ أن أعبده عبادة خالصة لا مجال معها للشرك أو الرياء ، أو غير ذلك مما يتنافى مع الطاعة التامة لخالقي ـ سبحانه ـ.
(وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) أى : أمرنى ربي بأن أخلص له العبادة إخلاصا تاما وكاملا ، لكي أكون على رأس المسلمين وجوههم له ، حتى يقتدى بي الناس في إخلاصى وطاعتي له ـ عزوجل ـ.
قال ـ تعالى ـ : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
وقوله ـ سبحانه ـ : (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) بيان لسوء عاقبة الشرك والمشركين.
أى : وقل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ إنى أخاف إن عصيت ربي ، فلم أخلص له العبادة والطاعة ، عذاب يوم عظيم الأهوال : شديد الحساب ، وهو يوم القيامة ، ولذلك فأنا لشدة خوفي من عذاب خالقي ، أكثرهم إخلاصا له ـ عزوجل ـ وامتثالا لأمره ، ومحافظة على طاعته.
(قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) أى. وقل لهم ـ أيضا ـ : الله ـ تعالى ـ وحده هو الذي أعبده عبادة لا يحوم حولها شرك ، ولا يخالطها شيء من الرياء أو التكلف.
فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يعلن للناس بأساليب متنوعة ، أنه لن يتراجع عن طاعته التامة لربه ، وأن عليهم أن يتأسوا به في ذلك.
قال الجمل : أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أولا : بأن يخبرهم بأنه مأمور بالعبادة والإخلاص فيها. وثانيا : بأن يخبرهم بأنه مأمور بأن يكون أول من أطاع وانقاد وأسلم. وثالثا : بأن يخبرهم بخوفه من العذاب على تقدير العصيان. ورابعا : بأن يخبرهم بأنه امتثل الأمر وانقاد وعبد الله ـ تعالى ـ وأخلص له الدين على أبلغ وجه وآكده ، إظهارا لتصلبه في
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٤ ص ٤٥٤.