الدين ، وحسما لأطماعهم الفارغة ، وتمهيدا لتهديدهم بقوله : (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ ...) (١).
فالأمر في قوله ـ تعالى ـ : (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ ...) للتهديد والتقريع والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها.
والمعنى. إذا كان الأمر كما ذكرت لكم ـ أيها المشركون ـ من أنى أول المسلمين وجوههم لله ـ تعالى ـ وحده ، فاعبدوا ما شئتم أن تعبدوه من دونه ـ عزوجل ـ فسترون عما قريب سوء عاقبة شرككم وجحودكم لنعم الله ـ تعالى ـ.
وقوله : (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) بيان لسوء عاقبة من أعرض عن دعوة الحق ، وقوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا ..) خبر إن.
أى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين : ليس الخاسرون هم الذين أخلصوا عبادتهم لله ـ تعالى ـ وحده ـ كما زعمتم ـ وإنما الخاسرون هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، بسبب إلقائهم في النار ، وحرمانهم من النعيم الذين أعده الله ـ تعالى ـ لعباده المؤمنين.
وقال ـ سبحانه ـ خسروا أنفسهم وأهليهم للإشعار بأن هؤلاء المشركين لم يخسروا أنفسهم فقط بسبب دخلوهم النار ، وإنما خسروا فوق ذلك أهليهم لأنهم حيل بينهم وبين أهليهم ، لأن أهليهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم ، وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده.
وجملة : (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) مستأنفة لتأكيد ما قبلها ، وتصديرها بحرف التنبيه ، للإشعار بأن هذا الخسران الذي حل بهم قد بلغ الغاية والنهاية في بابه.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ...) تفصيل لهذا الخسران بعد تهويله عن طريق الإبهام والإجمال.
والظلل : جمع ظلة ، وأصلها السحابة التي تظل ما تحتها ، والمراد بها هنا طبقات النار التي تكون من فوقهم ومن تحتهم. وأطلق عليها هذا الاسم من باب التهكم بهم ، إذ الأصل في الظلل أنها تقى من الحر ، بينما الظلل التي فوق المشركين وتحتهم محرقة.
أى : لهؤلاء المشركين طبقات من النار من فوقهم ، وطبقات أخرى من النار من تحتهم ، فهم محاطون بها من كل جانب ، ولا يستطيعون التفلت منها.
__________________
(١) حاشية الجمل ج ٣ ص ٥٩٤.