قال صاحب الكشاف ما ملخصه : قوله : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.) هم الذين اجتنبوا وأنابوا لا غيرهم ، وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والإنابة على هذه الصفة ... وأراد أن يكونوا نقادا في الدين ، مميزين بين الحسن والأحسن ، والفاضل والأفضل ، فإذا اعترضهم أمران : واجب ومندوب ، اختاروا الواجب ... فهم حريصون على فعل ما هو أكثر ثوابا عند الله ..
وقيل : يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن. وقيل : يستمعون أوامر الله فيتبعون أحسنها. نحو القصاص والعفو ، والانتصار والإغضاء ..
وعن ابن عباس : هو الرجل يجلس مع القوم فيسمع الحديث فيه محاسن ومساوئ ، فيحدث بأحسن ما سمع ، ويكف عما سواه. (١).
ويبدو لنا أن هذا القول الأخير المأثور عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ هو أقرب الأقوال إلى الصواب ، لأنه هو الظاهر من معنى الجملة الكريمة.
وقوله ـ سبحانه ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) ثناء آخر من الله ـ تعالى ـ على هؤلاء المؤمنين الذين اجتنبوا عبادة الطاغوت ، وأخلصوا لله ـ تعالى ـ العبادة.
أى : أولئك الذين هداهم الله ـ تعالى ـ إلى دينه الحق ، وإلى الصراط المستقيم ، وأولئك هم أصحاب العقول السليمة ، والمدارك القويمة ، والقلوب الطاهرة النقية ..
قال الآلوسى : وفي الآية دلالة على حط قدر التقليد المحض ، ولذا قيل :
شمر وكن في أمور الدين مجتهدا |
|
ولا تكن مثل عير قيد فانقادا |
واستدل بها على أن الهداية تحصل بفعل الله ـ تعالى ـ وقبول النفس لها ... (٢). ثم بين ـ سبحانه ـ أن من أحاطت به خطيئته ، لن يستطيع أحد إنقاذه من العذاب. فقال ـ تعالى ـ (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ ، أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ).
والاستفهام للنفي ، والتقدير : أفمن وجب عليه العذاب بسبب إصراره على كفره حتى النهاية ، أفتستطيع أنت ـ أيها الرسول الكريم ـ أن تنقذه من هذا المصير الأليم؟ لا ـ أيها الرسول الكريم ـ إنك لا تستطيع ذلك. لأن من سبق عليه قضاؤنا بأنه من أهل النار ، بسبب استحبابه الكفر على الإيمان لن تستطيع أنت أو غيرك إنقاذه منها.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٢١.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ٢٥٣.