وقوله ـ سبحانه ـ (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ...) ثناء آخر منه ـ تعالى ـ على كتابه الكريم.
والجملة الكريمة حال مؤكدة من قوله قبل ذلك : (هذَا الْقُرْآنِ ...).
أى : هذا القرآن قرآنا عربيا لا لبس فيه ولا اختلاف ولا اضطراب ولا تناقض.
قال صاحب الكشاف : قوله : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) حال مؤكدة كقولك : جاءني زيد رجلا صالحا ، وإنسانا عاقلا. ويجوز أن ينتصب على المدح (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) أى : مستقيما بريئا من التناقض والاختلاف.
فإن قلت : فهلا قيل مستقيما ، أو غير معوج؟ قلت : فيه فائدتان :
إحداهما : نفى أن يكون فيه عوج قط ، كما قال : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً).
والثانية : أن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان ... وقيل : المراد بالعوج : الشك واللبس ، وأنشد :
وقد أتاك يقين غير ذي عوج |
|
من الإله وقول غير مكذوب (١) |
وقوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) علة أخرى لاشتمال القرآن على الأمثال المتكررة المتنوعة.
أى : كررنا الأمثال النافعة في هذا القرآن للناس ، كي يتقوا الله ـ تعالى ـ ويخشوا عقابه.
ثم ضرب ـ سبحانه ـ مثلا للعبد المشرك وللعبد المؤمن ، فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً ، رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ ...).
وقوله (مَثَلاً) مفعول ثان لضرب ، و (رَجُلاً) مفعوله الأول. وأخر عن المفعول الثاني للتشويق إليه ، وليتصل به ما هو من تتمته ، وهو التمثيل لحال الكافر والمؤمن.
وقوله (مُتَشاكِسُونَ) من التشاكس بمعنى التنازع والتخاصم وسوء الخلق ، يقال : رجل شكس وشكس ـ بفتح الشين مع إسكان الكاف أو كسرها وفعله من باب كرم ـ إذا كان صعب الطباع ، عسر الخلق.
وقوله سلما» بفتح السين واللام ـ مصدر وصف به على سبيل المبالغة.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : «سالما» : أى خالصا لسيده دون أن ينازعه فيه منازع. والمعنى : إن مثل المشرك الذي يعبد آلهة متعددة ، كمثل عبد مملوك لجماعة متشاكسين
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٢٥.