متنازعين لسوء أخلاقهم وطباعهم ، وهذا العبد موزع وممزق بينهم ، لأن أحدهم يطلب منه شيئا معينا ، والثاني يطلب منه شيئا يباين ما طلبه الأول ، والثالث يطلب منه ما يتناقض مع ما طلبه الأول والثاني ... وهو حائر بينهم جميعا ، لا يدرى أيطيع ما أمره به الأول أم الثاني أم الثالث ...؟ لأنه لا يملك أن يطيع أهواءهم المتنازعة التي تمزق أفكاره وقواه.
هذا هو مثل المشرك في حيرته وضلاله وانتكاس حاله.
أما مثل المؤمن فهو كمثل عبد مملوك لسيد واحد ، وخالص لفرد واحد ، وليس لغيره من سبيل إليه ، فهو يخدم سيده بإخلاص وطاعة ، لأنه يعرف ماله وما عليه ، وفي راحة تامة من الحيرة والمتاعب التي انغمس فيها ذلك العبد الذي يملكه الشركاء المتشاكسون.
فالمقصود بهذين المثلين بيان ما عليه العبد المشرك من ضلال وتحير وتمزق ، وما عليه العبد المؤمن من هداية واستقرار واطمئنان.
واختار ـ سبحانه ـ الرجل لضرب المثلين ، لأنه أتم معرفة من غيره لما يتعبه ولما يريحه ولما يسعده ولما يشقيه.
قال صاحب الكشاف ـ رحمهالله ـ عند تفسيره لهذه الآية : واضرب ـ يا محمد ـ لقومك مثلا وقول لهم : ما تقولون في رجل من المماليك قد اشترك فيه شركاء ، بينهم اختلاف وتنازع. كل واحد منهم يدعى أنه عبده ، فهم يتجاذبونه ، ويتعاورونه في مهن شتى ، وإذا عنت له حاجة تدافعوه ، فهو متحير في أمره ، قد تشعبت الهموم قلبه ، وتوزعت أفكاره ، لا يدرى أيهم يرضى بخدمته ، وعلى أيهم يعتمد في حاجاته.
وفي آخر : قد سلم لمالك واحد وخلص له ، فهو معتتق لما لزمه من خدمته ، معتمد عليه فيما يصلحه ، فهمه واحد ، وقلبه مجتمع ، أى هذين العبدين أحسن وأجمل شأنا؟.
والمراد تمثيل حال من يثبت آلهة شتى .. ويبقى متحيرا ضائعا لا يدرى أيهم يعبد ، وممن يطلب رزقه؟ فهمّه شعاع ـ بفتح الشين أى : متفرق ـ ، وقلبه أوزاع ، وحال من لم يثبت إلا إلها واحدا ، فهو قائم بما كلفه ، عارف بما أرضاه وما أسخطه ، متفضل عليه في عاجله ، مؤمل للثواب في آجله ، (١).
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) للإنكار والاستبعاد.
أى : لا يستوي الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون ، والرجل الذي سلم لرجل آخر ،
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٢٦.