قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٤٤)
والمعنى : ولئن سألت ـ أيها الرسول الكريم ـ هؤلاء المشركين : من الذي خلق هذه السموات التي ترونها بأعينكم ، وخلق هذه الأرض التي فوقها تعيشون ...
لئن سألتهم هذا السؤال ، لا يملكون في الإجابة عليه إلا أن يقولوا : خلقهم الله ، فلفظ الله فاعل لفعل محذوف.
وقولهم هذا دليل واضح على تناقضهم مع أنفسهم. لأنهم يعترفون بأن الخالق هو الله ، ولكنهم يشركون معه في العبادة آلهة أخرى لا تنفع ولا تضر ..
ولذا أمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يقول لهم مبكتا وموبخا : (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ، إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ. أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ)؟.
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الجاهلين : إذا كان الأمر كما ذكرتم من أن الخالق لهذا الكون هو الله ، فأخبرونى عن هذه الآلهة التي تعبدونها من دونه ـ سبحانه ـ : أتستطيع أن تدفع ضرا أراده الله ـ تعالى ـ بي؟ أم تستطيع أن تمنع رحمة أو خيرا أعطاه الله لي؟ كلا إنها لا تستطيع شيئا من ذلك ، وعبادتكم لها إنما هي نوع من السفه والحماقة.
وقال ـ سبحانه ـ : (هَلْ هُنَّ ..) بالتأنيث على سبيل التحقير لتلك الآلهة المزعومة ، ولأنهم كانوا يسمونها بأسماء الإناث ، كاللات ، والعزى ، ومناة. إلخ.
وقدم الضر لأن دفعه أهم ، وعلق ـ سبحانه ـ إرادة الضر والرحمة بذاته صلىاللهعليهوسلم فقال : (إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ ...) ليرد عليهم ردا يخرس ألسنتهم ، حيث خوفوه صلىاللهعليهوسلم منها وزعموا أنه لو استمر في تحقيرها فإنها ستؤذيه.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم فرض المسألة في نفسه دونهم؟ قلت : لأنهم خوفوه مضرة الأوثان وتخبيلها ، فأمر بأن يقررهم ـ أولا ـ بأن خالق العالم هو الله وحده ، ثم يقول لهم بعد التقرير : فإذا أرادنى خالق العالم الذي أقررتم به بضر من مرض أو فقر أو غير ذلك من النوازل ، أو برحمة من صحة أو غنى أو نحوهما. هل هؤلاء اللائي خوفتمونى إياهن كاشفات عنى ضره ، أو ممسكات رحمته ، حتى إذا ألقمهم الحجر وقطعهم ، حتى لا يحيروا ببنت شفة قال : (حَسْبِيَ اللهُ) كافيا لمضرة أوثانكم (عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) وفيه تهكم.