ويروى أنه صلىاللهعليهوسلم سألهم فسكتوا ، فنزل : (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ ...) (١).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ في الرد عليهم وفي السخرية من آلهتهم : الله ـ تعالى ـ الخالق لكل شيء ، كافينى في جميع أمورى ، وعاصمنى من كيدكم وكيد من تتوهمون كيده ، وعليه وحده لا على غيره يتوكل المتوكلون ، لعلمهم أن كل ما سواه تحت ملكوته وقدرته.
ثم أمره ـ سبحانه ـ مرة أخرى أن يتحداهم وأن يتهددهم فقال : (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ). أى : وقل لهم للمرة الثالثة : اعملوا ما شئتم عمله من العداوة لي ، والتهديد بآلهتكم.
والمكانة مصدر مكن ـ ككرم ـ ، يقال : مكن فلان من الشيء مكانة ، إذا تمكن منه أبلغ تمكن.
أى : اعملوا ما في إمكانكم عمله معى. والأمر للتهديد والوعيد.
(إِنِّي عامِلٌ) أى : إنى سأقابل عملكم السيئ بعمل أحسن من جانبي ، وهو الدعوة إلى وحدانية الله ، وإلى مكارم الأخلاق.
(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) من منا الذي ينجح في عمله ، ومن منا يأتيه عذاب يخزيه ويفضحه ويهينه في الدنيا ، ومن منا الذي يحل عليه عذاب مقيم في الآخرة. فالمراد بالعذاب المخزى عذاب الدنيا ، والمراد بالعذاب المقيم عذاب الآخرة.
ولقد تحقق ما توعدهم ـ سبحانه ـ به ، حيث أنزل عليهم عقابه في بدر وفي غيرها فأخزاهم وهزمهم ، أما عذاب الآخرة فهو أشد وأبقى.
ثم أخذت السورة الكريمة في تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه منهم ، فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ ...).
أى : إنا أنزلنا عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ القرآن لأجل منفعة الناس ومصلحتهم ، وقد أنزلناه متلبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل.
(فَمَنِ اهْتَدى) إلى الصراط المستقيم ، وإلى الحق المبين فهدايته تعود إلى نفسه (وَمَنْ ضَلَ) عن الطريق المستقيم ، فإثم ضلاله. إنما يعود على نفسه وحدها.
(وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ) يا محمد (بِوَكِيلٍ) أى : بمكلف بهدايتهم ، وبإجبارهم على اتباعك ، وإنما أنت عليك البلاغ ، ونحن علينا الحساب.
__________________
(١) الكشاف ج ٤ ص ١٢٩.