وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥٢)
وقوله ـ تعالى ـ : (اشْمَأَزَّتْ ..) أى : نفرت وانقبضت وذعرت ، مأخوذ من الشّمز ، وهو نفور النفس مما تكرهه.
قال الإمام الرازي : اعلم أن هذا نوع آخر من الأعمال القبيحة للمشركين وهو أنك إذا ذكرت الله وحده .. ظهرت آثار النفرة في وجوههم وقلوبهم ، وإذا ذكرت الأصنام والأوثان ظهرت آثار الفرح .. وذلك يدل على الجهل والحماقة ، لأن ذكر الله رأس السعادة ، وعنوان الخيرات ، وأما ذكر الأصنام فهو رأس الحماقات ..» (١).
أى : إنك ـ أيها الرسول الكريم ـ إذا ذكرت الله ـ تعالى ـ وحده ، ونسبت إليه ما يليق به ـ سبحانه ـ من وحدانيته وقدرته .. دون أن تذكر معه الأصنام اشمأزت وانقبضت وذعرت نفوس هؤلاء المشركين الجهلاء ، أما إذا ذكرت آلهتهم سواء أذكرت الله ـ تعالى ـ معها أم لم تذكره ، إذا هم يستبشرون ويبتهجون ..
والتعبير بالاشمئزاز والاستبشار ، يشعر بأنهم قد بلغوا الغاية في الأمرين ، فهم عند ذكر الله ـ تعالى ـ تمتلئ قلوبهم إلى نهايتها غما وهما وانقباضا وذعرا. وعند ذكر أصنامهم تمتلئ قلوبهم إلى نهايتها ـ أيضا ـ بهجة وسرورا حتى لتظهر آثار ذلك على بشرتهم ...
وحالهم هذا يدل على أنهم قد بلغوا الغاية ـ أيضا ـ في الجهالة والسفاهة والغفلة ..
وهذا الذي ذكرته الآية الكريمة من اشمئزاز الكافرين عند ذكر الله ـ تعالى ـ واستبشارهم عند ذكر غيره ، نرى ما يشبهه عند كثير من الناس ..
فكم من أناس إذا حدثتهم عن ذات الله ـ تعالى ـ وصفاته ، وعن سلامة دينه وتشريعاته ، وعن آداب قرآنه وهداياته ، وعن كل ما يتعلق بوجوب تنفيذ أوامره ونواهيه .. انقبضت نفوسهم ، واكفهرت وجوههم ، وتمنوا لو أنك تركت الحديث عن ذلك.
أما إذا سمعوا ما يتعلق بالتشريعات والنظم التي هي من صنع البشر ـ استبشرت نفوسهم ، وابتهجت أساريرهم ..
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً ، وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ ، وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (٢).
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ٢٥٨.
(٢) سورة الإسراء الآية ٤٦.